صادف يوم أمس الذكرى الاولي لرحيل السنديانة الضاربة جذورها في أعماق الأرض، السنديانة التي يصعب تعويضها. هكذا نعت سعادة القاضي الدولي السيدة تغريد حكمت شقيقها. رحم الله معالي الاستاذ طاهر حكمت فقيد الوطن.

أي شقيق وأي اخ كان طاهر حكمت، انه شقيق كل القضاة والمحامين رجال القانون، بل هو استاذهم، واخ كل المظلومين الذي دافع عنهم بحق، عرفته عن قرب في المجلس الوطني الاستشاري في بداية عملي في الدولة بعد تخرجي من جامعة دمشق في الثمانينات، حيث كان الرفيق والصديق المقرب من المرحوم دولة عبد الحميد شرف.

عرفته أكثر عندما كان وزيرا للعدل، و قد رمت بي يد الظلم و الجبن بتحويلي، الى المجلس التأديبي بتهمة كنت بريئاً منها ١٠٠٪ ، و كان وراءها شخصيات رسمية تاجروا باسم الوطن و سرقوه ، و عندما بدأ وزير العدل الأستاذ طاهر حكمت باستجواب احد السارقين ، ووضعة بالحقائق والأرقام و هو امام القسم ، لم يقوى على الوقوف وقام بالجلوس لأنه كان كاذباً و لم يدلي بالحقيقة ، فأمره المرحوم وزير العدل الأستاذ طاهر حكمت بالوقف ( قف يا فلان ...) منادياً عليه بالاسم الأول دون القاب او عناوين لان الوثائق بيد الوزير و التي تحمل تواقيع المذكور و السحوبات البنكية ... تكشف الحقيقة و تدينه .

خرجت ببراءة وتابعت مسيرتي الدبلوماسية من سكرتير ثاني الى سكرتير اول الى مستشار الى وزير مفوض والى سفير مفوض وفوق العادة، وفي أهم وأرقى دول العالم من أقصاه الى أقصاه، ومثلت بلدي ومليكي بأحسن تمثيل و بكل فخر و اعتزاز . وعندما سألت ... لماذا لم يتم استرجاع السرقة الى خزينة الدولة و محاكمة السارق ... علمت انه لم يتم إقامة الدعوة عليه من قبل صاحب القرار لأنه تم استدعاؤه أمام وزير العدل بصفته شاهد وليس متهم ... !!!! و لا تجوز على صاحب القرار / الميت الا الرحمة .

نعم كما اشارت سعادة القاضي حكمت، يرحل الرجال الكبار وتبقى ذكراهم العطرة. كان المرحوم طاهر حكمت رجل قانون من الدرجة الأولى ووزير عدل من الدرجة الأولى و رئيس محكة دستورية من الدرجة الأولى، قيادي متميز، و شيخاً من شيوخ مجلس الاعيان، وعلمًا من أعلام الأردن تميّز بالحضور والشخصية الراقية والعلم والثقافة والدماثة و الخلق الكريم، كان قدوته حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم: ادبني ربي فاحسن تأديبي، وانك لعلى خلق عظيم .

نعم صدقت القاضي حكمت : كان للمرحوم طاهر حكمت حضوراً واضحاً في المئوية الأولى للدولة الأردنية الهاشمية، وسجل التاريخ الأردني سيرته في القضاء والمحاماة والريادة....كان عميد القضاء.

نعم خسرالاردن والاردنيون والقضاء، طاهر حكمت، خسرنا مثال ونموذج النزاهة، صاحب المواقف المشرّفة.

شهادتي بالمرحوم مجروحة، وخاصة أمام كل القامات الأردنية الرسمية والشعبية التي نعته عند وفاته: رئيس الوزراء، ورئيس مجلس الأعيان، ورئيس مجلس النواب، ورئيس المحكمة الدستورية، ورئيس المجلس القضائي، والشعب الأردني بكافة مقاماته مستذكرين الخدمات الجليلة التي قدمها للوطن في جميع المواقع التي شغلها.

قمت بزيارته رحمه الله عندما كان رئيس المحكمة الدستورية وكان لنا حديث طيب وخاصة في مجال القضاء. وعندما كنت على وشك المغادرة طلبت من المرحوم التقاط صورة تذكارية، فقال لست من محبي التقاط الصور، ولكن انت مستثنى من هذه القاعدة، ولي طلب عدم النشر في الصحافة عن لقاءنا .

لقد خسر الوطن أحد رجالاته الأوفياء الذي كان له بصماتٌ كبيرةٌ في مجال تطوير القضاء.. وإرثٌ مشرّفٌ وكبيرٌ خلد ذكراه، لا نملك إلا الدعاء الى تلك القامة الوطنية ان يتغمده المولى عز و جل بواسع رحمته وان يسكنه فسيح جناته ، و ان يلهم أهله و ذويه الصبر والسلوان وخاصة شقيقته القاضي السيدة تغريد حكمت .