احتفل العالم يوم التاسع من هذا الشهر كانون الأول باليوم العالمي لمكافحة الفساد - هذا المصطلح الذي لا تكاد دولة من دول العالم تخلو منه - وانما تتغير أرقام الدول حسب المقياس العالمي للشفافيه والنزاهة من رقم إلى آخر ومن سنة إلى اخرى. وتركز المنظمات الدولية عموماً على شكل من أشكاله وهو الفساد المالي والذي يكبد الدول أيضاً حسب التقارير الدولية أكثر من ثلاثة تريليون دولار - علماً أن هذا الشكل هو حصيلة لأنواع اخرى من الفساد، منها الفساد الإداري وفساد القيم والأخلاق والمثل وغيرها–ونظراً لأهمية هذا الموضوع فقد تناو?ه القران الكريم بشكل موسع في الفترتين المكية والمدنية - فقد ورد حجم المصطلح في السور المكية قرابة ٢٠٪ وفي السور المدنية قرابة ١٣٪ ونسبة الورود في مجموع سور القران قرابة ٢١٪..
بدأ القرآن الكريم بالتركيز على الفساد العقدي - والفساد في الأرض والغش في الكيل والميزان ونقض العهود والاعتداء على اقوام معهم مواثيق - وحدد القرآن من صفات المفسدين ان كلامهم غير أفعالهم ويكرهون الحق والسحر والدجل - والسرقة - والفساد في البر والبحر - وأن من مؤهلات المفسدين العلو والطغيان والترف - وهي تهمة يطلقها الفاسدون على المصلحين-.
لقد وضع القران الكريم استراتيجيات مختلفة للقضاء على الفساد منها القدوة الحسنة - التعيين على أساس الكفاءة والجدارة–الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - إرادة التغيير - المحاسبة والمراقبة - منهج العدل والمساواة محاربة الظلم والاستغلال والرشوة - إدارة الاتصالات - والإدارة بالمشاركة - وإدارة الجودة الشاملة واتقان العمل.
وردت مشتقات الفساد في القران الكريم ضمن مصطلحات كثيرة من بينها المعاصي (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ)، الكفر - القتل - الهلاك والخراب والدمار - اهلاك الحرث والنسل (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ) (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس) وعرض القرآن الكريم نماذج لفساد الأشخاص والأقوام - مثل قوم سبأ - قوم عاد - قوم شعيب - كما ربط القران الكريم بين الترف والفساد - ولكنه لم يعتبر الزينة بحد?ذاتها شيء سيئ - كما تحدث عن الترف السياسي وبعض العلماء وصناعة الفساد - وقد مر معنا في التاريخ الإسلامي متلازمة الترف غير المنضبط لدى الدول وأثره في تفكيك المجتمعات والدول ومن أجل مكافحة الفساد - انشأت كثير من الدول هيئات كثيرة وباسماء مختلفة لمواجهة تيار الفساد - ولكن معظم هذه الهيئات تركز على الفساد المالي وتعالج باستحياء الفساد الإداري - الذي فيه أكل لحقوق الكفاءات - وذلك لغياب المؤسسية والحاكمية - والشفافية عند اتخاذ مثل هذه القرارات، وقد نبه الإسلام إلى خطورة تجاوز حقوق الناس (من أمّر على المسلمين شخصً? وفيهم من هو أحق منه فقد برئت منه ذمة الله ورسوله) وطلب عمر بن الخطاب من مستشاريه أن يدلوه على شخص ليوليه وقال (أريد شخصاً إذا كان في قومه وهو ليس بأميرهم - كأنه أميرهم - وإذا كان أميرهم كأنه واحد منهم) - وكان يركز على مبدأ من أين لك هذا، وكان يجتمع مع الولاة في كل موسم حج ويقيمهم ولا يتردد في عزل من ثبت انه ليس اهلا للمسؤولية.
إن الإنسان والفرد المسؤول - مهما أوتي من فراسة وقوة شخصية يبقى فرداً وعقلاً والأمير تهدى إليه عقول الناس، فبدلاً من أن يفكر في عقله وحده يفكر بعقول من حوله - قد لا تحب شخصاً ولكنك تحترم فيه صفات الرجولة والكفاءة- قال شخص لمعاوية أو عدم حبك لي يمنعني حقي - قال لا - قال انما تأسى على الحب النساء.
(الرأي)