ثلاثية السرد: شائعة .. رأي .. حقيقة!
ناديا هاشم العالول
13-12-2021 11:24 PM
لا شك أن السرد المتسارعة نبضاته بصعود مطّرد عبر وسائل التواصل الاجتماعي من خلال المؤثرين وغير المؤثرين.. قد تجاوز حدوده لدرجة انقلب فيها الرأي الى حقيقة.. والأدهى من ذلك أن الكذب الشائع/ الشائعة/ يصبح حقيقة لكثرة التداول عبر مقولة «خطأ شائع خير من صواب ضائع» مما يزيد الطّين بلّة وبخاصة في العالم الثالث الذي يرزح بطبيعته تحت مظلّة تراجع التنمية وتبخّر النمو..
إذْ كيف يمكن للشائعة السائدة المغلوطة البعيدة عن الحقيقة أن تخرجه من براثن التراجع والتقهقر؟
لهذا نعزم مراراً على الانسحاب من وسائل التواصل الاجتماعي لكثرة طغيان الغثّ على السّمين لدرجة الاستخفاف بعقول المتلقّين!.
فشتّان ما بين الشائعة المرتكزة على الكذب والزيف.. ونقيضتها الحقيقة بثوابتها وبراهينها وأدلتها.. ومع ذلك تعلو الشائعة على الحقيقة وتتلقفها الجماهير بشوق ودعم كبيريْن.. مما يبعث على الدهشة والقلق!.
إضافة إلى ذلك هنالك شق ثالث للسّرد وهو الرأي.. كلٌ ورأيه.. وحرٌّ أن يعبّر عن نفسه.. ولكن هنالك من يخلط بين الرأي الشّخصي والحقيقة وكأنه يملك الحقيقة لأنه باعتقاده المغلوط ليس سطرا في كتاب.. بل الكتاب كله..
مذكّرين بهذه العجالة أن الحقيقة هي قول يمكن البرهنة على صدقه..
أما الرأي فهو يعبّر عن معتقد الشخص المنبثق عن شعوره أو رؤيته او فكرته أو حُكْمه حيال شيء أو شخص.. الخ.
فقول الحقيقة هو قول له محتوى موضوعي مدعّم بالدليل المتوفّر، أما قول الرأي فهو قول إما محتواه ذاتي أو ليس مدعّماً بالدليل المتوفر..
والأسوأ من هذا كله الشائعة التي تطفح كذباً ونفاقاً وبهتاناً..
مؤكدين أننا لا نتحدث هنا عن الحقائق الحسابية بمعادلاتها الرياضية الثابتة.. ولا الحقائق الهندسية المؤكّدَة.. ولا حتى الحقائق المنطقية حيث يُحكم عليها من خلال تحليل الكلمات المستخدَمة فيها..
إنما نخص «الحقائق الأخلاقية» التي تُعتبر استثنائية لغياب الوضوح فيها ومع ذلك لا يجوز اعتبارها غامضة لأن التعيير عنها يتم بطريقة معيارية بالرجوع إلى معايير ثابتة..
ووسط هذا الوضوح نسمع لغطا مفاده:
فبين من يدّعي أنه لا يوجد واقع حقيقي، فقط مجرد آراء وانطباعات. هنالك آخرون يعتقدون أنه لا بد من وجود واقع أو حق يدعمون مما يعني وجود حقيقة مطلقة..
فالمتقلّبون يدّعون بانه لا يوجد طريقة صادقة تصف الواقع وأن كل شيء نسبي، فلهذا لانجد حقيقة واقعة. ونتيجة لذلك لا يوجد سلطة تحدّد ان كان الفعل ايجابيا أم سلبيا، صالحاً أم طالحاً..
وتلك النظرة ببساطة تفسر «الأخلاقيات الموقفية» في أعظم أشكالها. فحيث أنه لا يوجد صالح أو طالح فالتصرف الذي يبدو مناسباً للموقف هو التصرف الصالح. وبالطبع يقود ذلك للاتجاه لفعل «أي شيء يشعرني بالسعادة» سواء عقلياً أو فعلياً، مما يتسبب بعواقب وخيمة لكل من الفرد والمجتمع».. فما دام الموضوع يناسبني او يسعدني فهو اكيد الحقيقة نفسها..
وهذه طبعا نظرة تفتقر لمعايير موضوعية توقع كل من يتبناها بالخطأ.. لأن الحقيقة ثابتة لا تتغير فالعدْل مثلا لا يتلوّن وفق الإنسان والزمان والمكان..
فإن كانت الحقيقة تتغير بين حين وآخر فأية فوضى هذه التي نصبح عليها حينما تتميّع الحقيقة وتصبح كالأميبا الرّخوية التي تتخذ اشكالا مختلفة وفق البيئة المحيطة.. فنتخبط في معاييرنا الآنية المتغيرة والمتشكّلة وفق المواقف الصاعدة والنازلة «شرْوي غرْوي» وفق مكان آخر وظرف وآخر فهي ليست بحقيقة.. لان الحقيقة تتميز بصفة الثبات تماماً كباقي الحقائق..
كفانا قلباً للموازين وبعثرة للمعايير لأن هذا لا يقع بصالحنا، فكما «الحقيقة» مطلوبة من أجل النمو والتقدم، كذلك «الخيال» فهو الآخر مطلوب من أجل الخلق والإبداع والإبتكار، وأما الوهم فهو مرفوض مرفوض..
فلنرتقِ بأفكارنا عالياً ولنجدْ لأنفسنا مكاناً في القمة.. ففي القاع ازدحام شديد..
(الرأي)