يتنزل السؤال في عمان حول إذا ما كانت العلاقة الأردنية السورية، سوف تشهد تطورا جديدا خلال العام الجديد، أم ان التعبير عن التحسن في العلاقة اكتفى بهذا السقف لاعتبارات كثيرة.
الكل يعرف أن الحدود الأردنية السورية، تم فتحها، وهناك ترتيبات بشأن تمديد الكهرباء إلى سورية ولبنان، وزار الأردن عدد من الوزراء السوريين، كما أن الحدود تشهد تدفق الآلاف من البلدين، وقد تم تتويج ذلك بمكالمة هاتفية بين الملك والأسد، إضافة إلى ما يمكن قوله حول وجود علاقات غير معلنة على المستوى الأمني واللوجستي، بما يخص الإرهاب والحدود، وهي علاقات بقيت موجودة حتى في عز الانجماد السياسي، وذلك بسبب الحاجة الملحة لوجود هذا التنسيق.
لم تشهد العلاقات أي تطور، خلال الشهرين الماضيين، حيث لم يقم أي مسؤول سياسي أردني كبير بزيارة دمشق، ولم يزر عمان أي مسؤول سوري، عدا وزير الدفاع السوري، فيما التعبيرات السياسية بقيت غائبة، على مستوى تواصل أعلى بين الحكم في البلدين، أو على مستوى زيارات رؤساء الحكومات أو المسؤولين السياسيين في البلدين، في تعبير يؤشر إلى وجود تعليق ناعم لتطوير العلاقة دون ان يتم إعلان ذلك رسميا، وأمام حالة انكار لوجود سقف للعلاقة.
السوريون بدورهم بدأوا يشهدون تحسنا في علاقاتهم العربية، سواء على مستوى تبادل الزيارات السياسية مع العرب، أو الدعوة لعودة دمشق إلى جامعة الدول العربية، التي تم إخراجها منها.
وسط هذا المشهد الإقليمي والدولي، لا يمكن أن تقبل الولايات المتحدة الأميركية بتحسن كبير في علاقات العرب بدمشق، حتى لو رأينا على الصعيد الأردني، تحسنا على مستويات محددة، لكنه تحسن مربوط بسقوف وشروط، خصوصا، ان المعادلة السورية مرتبطة بملفات إقليمية مثل لبنان وإيران، وليست سورية، حصرا، وهذا يؤثر على حلفاء واشنطن في المنطقة، حيث يتم منح الأردن مساحة محددة للحركة من أجل مصالحه الاقتصادية، ومع تعبيرات سياسية محكومة النتائج، بشكل مسبق، دون ان نرى تصعيدا أكبر، عبر زيارات لقيادتي البلدين، أو عبر تعبيرات منخفضة على مستوى رؤساء الحكومات أو مسؤولين سياسيين من البلدين.
الأردن لديه تقييماته، إذ إن كل شيء يتحرك في المنطقة، وانه لا يجوز تعليق التحسن الإيجابي مع السوريين، قياسا على وجود علاقة حسنة مع العراقيين، وكلاهما على صلة بالمحور الإيراني، كما أن محاذير الأردن الاكبر ترتبط بالحدود ومخاطر الجماعات المتشددة، وجماعات السلاح والمخدرات، وربما يكون التعاون اللوجستي مع السوريين، هو أحد وسائل ضمانة الحدود الأردنية مع سورية، لوجود تداخلات كثيرة تشمل الروس والإيرانيين في تلك المنطقة الحساسة امنيا.
برغم كل هذه الحسابات لا يتوقع حتى تاريخ كتابة هذه السطور، أن نرى شكلا سياسيا مختلفا للعلاقة مع السوريين، والعلاقة تعبر فترة إعادة بناء، لكن لا يرجح أن نشهد اندفاعات أعلى في هذه العلاقة، حتى هذا التوقيت على الأقل، وللمفارقة فإن الأردن لا يجمع على المستوى الشعبي والنخبوي، على استرداد هذه العلاقة، إذ أن هناك حالة ترحيب بعودة العلاقات مع السوريين، وهناك أيضا حالة أكبر تعترض على استرداد العلاقة مع نظام يرونه تسبب بكل هذه المعاناة للشعب السوري، على الصعيد الداخلي، وعلى صعيد التهجير، وغير ذلك من آثار الحرب.
برغم كل هذا يمكن اللعب حاليا في المساحة الفنية للعلاقات أي مساحات مثل الكهرباء والمياه، والتجارة، والحدود، والأمن، وغير ذلك، وهي مساحات مغطاة سياسيا، لكنها لن تقود حاليا إلى تصعيد إيجابي سياسي، بشكل مختلف، سواء على مستوى وجود البعثات الدبلوماسية في البلدين، أو على مستوى تبادل زيارات المسؤولين، أو حتى بحث ملف تهجير السوريين من سورية إلى الأردن، وهو ملف حساس، تم توطينه بحيث أصبح ملفا أردنيا بالدرجة الأولى.
لكن عالم السياسة يبقى حافلا بالمفاجآت، ولا خيار أمامنا سوى الانتظار لمعرفة إذا ما كان هذا الوضع سيبقى قائما، أم أن الأيام المقبلة ستأتينا بالمفاجآت.
(الغد)