هذه المرة الفيلم مختلف والمحتوى يكاد يكون «قنبلة ذرية»، ففيلم أميرة الذي ما زال مثار جدل وتحول إلى محط سخط شعبي ونخبوي في الأردن وفلسطين والعالم العربي مختلف عن مسلسل «جن»، ومسلسل «مدرسة الروابي»، فالعملان الأخيران انحصر نقدهما ببعد مُختلفُ عليه في الأساس ألا وهو البعد المتعلق بالعادات والتقاليد ومساحات الحرية الاجتماعية والفكرية وهي مساحات واسعة ومتدرجة من حيث التشدد أو المرونة ونسبية القياس، فيما فيلم أميرة قضية اخرى جرت صناعتُه من خلال مخيلة أقل ما يقال عنها أنها «مستعربة» وجرى تركيب احداثه «لشيطنة» تهريب نطف الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال لتكون النتيجة (تشويه خطير) للفكرة البطولية لتهريب النطف لزوجات الأسرى وترسيخه لصورة مشوهة عن تلك النطف وزوجات الأسرى وأخلاقهن.
ففي أحداث فيلم أميرة جرى التشكيك في نسب «الشابة أميرة» بعد أن كشف الفيلم وبطريقة دراماتيكية وصادمة أن والدها الأسير هو عقيم ما جعلها تبدو في نظر أهلها المفترضين وأهل الأسير وأهل البلد «ابنة حرام وأمها زانية» وهنا بدأ مسلسل الشك القاتل حتى وصل ووفقا للسياق الدرامي في الفيلم إلى اخوة الأسير نفسه والشك بهم، وبعد أن طالت الشكوك كل من كانت تتصل أو تتعامل معهم الزوجة في مشاهد متلاحقة مؤلمة تمزقت من خلالها وبشكل قاس صورة الطهارة التي لطالما أحاطت ورافقت زوجات الأسرى بسبب صمودهن وصبرهن، استكمل السياق الدرامي نزع هالة البطولة والرجولة عن شخصية الأسير وحولته إلى إنسان عاجز فاقد للفحولة والذكورية، عقيم مكسور لا حول له ولا قوة، وتزداد المشاهد بعد ذلك قتامة وبؤسا عندما تظهر «النتيجة» المُرة والمؤلمة والمتمثلة بأن أصل «النطفة» التي جاءت منها «أميرة» هي لسجان إسرائيلي وليست للأسير البطل، وهنا اتساءل أي فكرة خبيثة هذه–وأي خيال مريض هذا؟ وأي تصور عبثي هذا الذي نسف حقائق الواقع المعروفة عن زوجات الأسرى وبطولاتهن في دعم أزواجهن وبطولات الأسرى أنفسهم ورجولتهم في مقارعة السجان داخل معتقلات الاحتلال وخارجها؟! وما هي الفكرة التي يريد أن يزرعها الفيلم في أذهان جيل الشباب الفلسطيني الذي مازال يؤمن بمقاومة الاحتلال كحل عملي للتحرير والذي قد يصبح أي شاب منهم في أي لحظة واحدا من الأسرى؟
الفيلم تعدى العبث الدرامي وتزييف واقع حياة الأسرى وأسرهم وبخاصة بالبعد المتعلق بتهريب النطف ليصبح فصلا خطيرا من فصول الحرب النفسية والمعنوية الموجهة لكل فلسطيني حر مازال يؤمن بضرورة مواجهة الاحتلال وأدوات التنسيق الأمني «المقدس» التابعة له..
لا أريد التشكيك بأي أحد ولا أريد تبني نظرية المؤامرة كما لا أريد اتهام إلا «الجهل» والجهل وحده.
(الرأي)