لاول مرة تقوم الحكومة بالتراجع عن توقعاتها الاقتصادية واعادة تقييم مؤشراتها بناء على معطيات على ارض الواقع, وهو امر ادى لتفاجؤ بعثة صندوق النقد الدولي التي رأت ان معدل النمو الاقتصادي في الربع الاول والبالغة نسبته 2.03 بالمئة اقل بكثير مما توقعته, بعد ان اعتادت على سماع ان الاقتصاد يسير بطريق قوي نحو التنمية بشكل مخالف للواقع.
الحكومة التي بادرت الى تقليل تفاؤلها بالنمو الاقتصادي الى 3.4 بالمئة بدلا من 4 بالمئة مما كان مستهدفا فان ذلك يتطلب اعادة النظر في قانون الموازنة العامة لسنة 2010 الذي توقع ان يحقق الاقتصاد تلك المستويات العالية من النمو دون الاخذ بعين الاعتبار حالة التباطؤ التي القت بظلالها على قطاعات رئيسية في الوقت الذي سبقتنا فيه اقتصاديات الجوار باجراءات سريعة لمعالجة التشوهات التي خلفتها الازمة المالية العالمية, وفعلا بدأت اقتصاديات تلك الدول بالتعافي التدريجي والاستقرار في الوقت الذي ما زلنا نبحث عن علاج للخزينة.
حالة التباطؤ الحادة التي تعصف بالنشاط الاقتصادي في المملكة تختلف هذه المرة عن سابقتها, وذلك بسبب ارتفاع معدلات التضخم والتي من المرجح ان تفوق ايضا ما قدرته الحكومة لهذا العام والبالغ نسبته حوالي 5 بالمئة, علما ان كل الدراسات واتجاهات السوق تشير ان اسعار النفط في اتجاه تصاعدي قد يتجاوز ال¯ 80 دولارا في الاشهر المقبلة, وهو أمر يعني ان هناك ضعفا في الانتاج والنشاط الاقتصادي من جهة وتآكل القوة الشرائية من جهة اخرى.
صحيح ان القانون الجديد للضريبة ساهم في تراجع الايرادات بشكل نسبي الا انه لن يساهم في رفعها او تعويضها العام المقبل كما تعتقد الحكومة, بسبب ان القطاعات الاقتصادية تبحث عن مناخ مناسب للعمل والانتاج, حينها لن تهتم اذا كانت معدلات الضريبة عالية أم منخفضة, فالاساس هو العمل.
لذلك, فان تحفيز القطاعات التنموية لا يكون فقط بالتشريع انما بتدابير سريعة لتسهيل عملهم وزيادة قدرتهم على التوظيف والتصدير وهكذا, ولا يتم هذا الا من خلال استحداث مناخ استثماري جاذب ومحفز, ويكون ايضا بازالة التشوهات التي تقف امام طريق رجال الاعمال من خلال دراسة شاملة للمعيقات التي تحد من عمل تلك القطاعات.
على أية حال فإن الصعاب التي تحيط بالاقتصاد الاردني والتي ألقت بظلالها على مجمل ادائه هي ليست بجديدة او طارئة, فلطالما كانت موجودة على مر السنين, لكن مع فارق آلية التعامل معها من فترة لاخرى, قبل عام 2003 كان يجري تغطية تلك الاختلالات من خلال منحة نفط العراق التفضيلي والبروتوكول التجاري اللذين كانا فعلا صمام أمان للاقتصاد الاردني في مواجهة أية ازمات, وبعد انتهائهما جرى استبدالهما بمنح مالية ومساعدات طارئة, وبعد ان جرى تقليصهما بدأت تتكشف عورات الاقتصاد الوطني الذي بات لا يوجد له غطاء مستقر وواضح, ببساطة الحكومات السابقة لم تستطع ان تبني اقتصاد قوي في ظل الطفرة الاقتصادية الاستثنائية السابقة.
salamah.darawi@gmail.com