الامتحانيّون قوم امتهنوا قلب الحقائق، وتطوير التعليم من خلال تطوير الامتحانات. فهم يرون التعليم عرَبة تركض خلف الامتحان، وليست موجّهة له. وعبر تراث طويل، نقلوا عن الصينيين أفكارهم عن قسوة الامتحان، حيث كان المتعلم الصبي يقضي أكثر من عشرين ساعة ووجهه إلى الحائط، وخلفه لجنة من الفاحصين لا يُسمح له برؤية وجوههم، ولا لغة أجسادهم!
تفاعل الامتحانيّون مع تقاليد المجتمع: ففي الامتحان يُكرَم المرءُ أو يهان!! فالإهانة تنتظر كل فاشل في امتحاناتهم!!. ولعلنا نتذكر أن صاحب السلطة – المعلم، وأستاذ الجامعة – يهدّد بأنه أعدّ امتحانا لن ينجح فيه أحد!!.
إن مشكلة الامتحانيّين ليست فيما يفعلون، بل فيما يفتخرون به في ابتكار مصطلحات، مثل: بنك الأسئلة، والعلاقة المعيارية، والاستجابة للفقرة، والعلامة بالكسر المئوي وليس العشري!! مشكلتي معهم، أنهم لا يعرفون معنى التعلم. فالتعلم لأي مبتدئ هو اكتساب المفاهيم والمهارات والاتجاهات! والامتحانيّون يرونه حفظ المعلومات والبيانات لا غير!
إنهم يعلنون بصراحه: نحن نقيس ما يسهل قياسه وهو المعلومات. وهذا اعتراف صريح بانقطاع العلاقة بين المتعلم والامتحان!!والامتحانيّون يهربون من تطوير التعليم؛ ولذلك يلجأون إلى تشكيل لجان لتطوير الامتحان، كما فعلوا في لجنة التوجيهي، وكما يبشّرون بتطوير جديدٍ واعدٍ هو لجنة لتطوير امتحان "توجيهي جديد" عام لطلبه الثالث الإعدادي !!
إن أسوأ ما يمكن أن يحصل هو الرجوع إلى الماضي بدلا من المستقبل!! أرجو أن لا يكتب أحدٌ غزَلا بامتحان الإعدادي، ويتغنى بأمجاد زمان!!
امتحان الإعدادي سقط أكثر من مرة في الستينات والسبعينات والثمانينات!! سبحان من يحيي العظام وهي رميم!
المعلمون: الإعداد أم التدريب
بدأت في الخمسينات معاهد إعداد المعلمين في الأردن، وللتوثيق كان معهد المعلمين/ جبل الحسين، أول هذه المعاهد منذ بداية الخمسينات، ثم تعددت المعاهد في حوّارة، ورام الله، ومعهد معلمات عمان، وبيت حنينا حيث تخرج آلاف المعلمين والمعلمات، وبدرجة كان يعتقد أنها جيدة. ففي المعاهد يتم الإعداد النظري والعملي للمعلم، حيث يتخرج مؤهّلا لممارسته المهنة، مثله كسائر المهنيّين: الطبيب والمهندس، والمحامي.
وحدث أن تحولت المعاهد إلى كليات مجتمع عام 1980م، وبقيت محافِظة تماما على عمليات إعداد المعلمين. وهناك من يرى أن تحول إعداد المعلمين إلى الجامعات بعد ذلك هو انكسار تاريخي للتعليم!! فقد أصدرت الجامعات آلاف المعلمين والمعلمات ممن لا يتقنون التدريس العملي؛ لذلك نشِط التدريب ليغطي النقص في تأهيل االمعلمين وإعدادهم.
وفي حديث مع أستاذنا د. سعيد التل، أشعرني بأهمية أن يعدّ المعلم قبل العمل كصاحب مهنة. فالطبيب يمتلك مهارات العمل النظري والتطبيقي قبل الممارسة. ولذلك يرى الدكتور التل أن أؤيد ذلك، أن إعداد المعلم أكثر أهمية من تدريبه، فليس هناك كليات لتدريب الأطباء والمهندسين، فالأطباء ينمون مهنيّا بجهودهم الذاتية: حضور مؤتمرات، إجراء بحوث، متابعة حالات، مشاركة في مجلات علمية... في حين ما زلنا نهمّش المعلمين و"ندرّبهم" على أبسط قضايا التدريس: "كيف تدير الصفّ؟، "كيف تخطط درسك؟، "كيف تعد امتحانا؟ وهذا ما لا يفعله المهنيّون. المهنيّون ينمون مهنيّا ولا يتدرّبون!!، وإذا تدرّبوا فإنهم يشاهدون تجربة أو مهارة جديدة، أو أسلوبا جديدا!.
لا أريد أن أحمي المعلمين من التدريب ، بل أريد الارتقاء بالنمو المهني للمعلمين، والتعامل معهم بوصفهم مهنيّين وهذا يتطلب الاعتراف الرسمي بمكانة المعلم، وربما كان الحل يتمثل بإصدار تشريع يؤكد مهنية التعليم، وضرورة ممارسة المعلم عمله وفق إجازة قانونية كسائر المهنيين. ومن المهم أن أوضح أن النموّ المهني يختلف عن التدريب، وأن التدريب يليق بالحِرف وليس بالمِهن.