اليوم الدولي للجبال وحكايتنا معها
عبدالرحيم العرجان
12-12-2021 12:18 PM
ولدتُ وترعرعتُ وعشقتُ في مدينة الجبال السبعة، التي بين مساربها ترى سر الغروب والأفق البعيد، وبين الحواري والأدراج يظهر صعود وهبوط فهنا كانت بداية حكايتنا.
قبل واحد وعشرين عام اعتمدت الأمم المتحدة الحادي عشر من كانون الأول من كل عام يوماً دولياً للجبال، وذلك لأهميتها الكبرى على ساكني المعمورة، في حين تنظر أعين الناس بدهشة شموخٍ عند الوقوف أمام قممها ومصادقتها لتحقيق رسائل إنسانية من أعالي شيمها بالوصول إليها لتحقيق انجاز ذو صدى يسطر ويحفز كل صاحب بغاية وهدف.
استبقتنا الجبال بالوجود بمئات الملايين من السنين إلى أن انحسرت مياه البحار العظيمة وأراد الخالق أن يبعث له فيها خليفة أبونا آدم وأمنا حواء والتقائهم بعد البحث على جبل عرفة، ليكون الوقوف عليه إحدى أركان الحج، وليسكنها ذريتهم من بعدهم لأمنها ووفرة خيراتها، ففي جوف كهوفها سكن الإنسان الأول، وترك لنا رسائل على صخور، أما بغار حراء كانت خلوة نبي الله محمد -صلى الله عليه وسلم- ونزول الوحي، وعليها بنى الإنسان مقابرة من رجوم وقبور دولمنز 3000 ق.م الذي تعد الأردن الدولة الأعلى كثافة بتعدادها ضمن ثلاث عشرة حوض، والتي عملنا على حمايتها والتعريف بها ضمن مبادرة حماية آثار الدولمنز، للتوالي الأجيال وتكون نواة للممالك وما تركوه من حصون وقلاع منيعة وعمائر قد بنيت من صلب المكان، ليتجاوز عدد ساكنيها في يومنا هذا المليار نسمة.
وهبة الله لخليفته أصبحت تقدم نصف غلال الأرض وقوتهم من خيراتها، ونقطة جذب لسياحة المصايف والتاريخ والمغامرة والخلوة للتجاوز 20% من عائد اقتصادها، ومصدر التجدد المناخي وإعادة الأوكسجين وتوازنه عبر غاباتها التي يخشى عليها من التحطيب والرعي الجائر وامتداد التصحر، بعد أن سحبت كثير من مياهها العذبة من بطونها، وحُبست وحولت مجاري أنهارها في سدود، وخشية عليها من التغير المناخي نتيجة ذوبان الثلجي والذي إن حدث سوف يغرق كثير من مدن السواحل والأراضي المنخفضة، فهي بذلك مصدر التوازن الفطري.
وفي جوف بطونها مكنونات المعادن من فضة وذهب ونحاس وخير مثال عليه ما كان يستخرج من جوف جبال ضانا عبر السنين، فما زالت مناجمه مقصداً للسياح، بخربة نحاس جنوبي وادي فينان، وحديد عجلون الذي ضرب به المثل لصناعة انصال السيوف والحراب حتى ذاع صيته في أرجاء الجزيرة العربية وبلاد الشام، ولكن وللأسف تعرض ذلك المنجم لمعاول التخريب بأسنان الكسارات حتى تم إيقافهم باسم القانون وحماية دائرة الآثار العامة.
أما للمغامرة فهي عنوان وتحدي كبير بشرط مصادقة الطبيعة والالتزام بشروطها التي تفرضها عليك، فعندما ذهبنا إلى أنابورنا التي تبلغ 5416 م ضمن جبال الهاملايا حملنا لزائريها دعوة من أخفض بقاع العالم – 420 م إلى أعاليها التي تجلت بحجر ملحي، والذي وضع على القمة و شعار ورسالة طُبعت على ثيابنا، حينما رُفع علمنا على جبل موسى الأعلى في شقيقة جمهورية مصر العربية 2285 م وعليه نزلت الشرائع وكلّم الله نبيه -عليه السلام-، ومثله قمتيّ القرنا السوداء 3039 م الأعلى في بلاد الشام وصنين 2695 م الأصعب في لبنان وكانت رسالتنا دعماً لصندوق الأمان لمستقبل الأيتام، كل ذلك بجهود ذاتية إيماناً بواجبنا الوطني والإنساني، واحتفائاً بهذا اليوم صعدنا القمة الأعلى في الأردن جبل أم الدامي 1850 م الوقع بوادي رم ضمن المثلث الذهبي على الحدود الجنوبية المحاذية للشقيقة المملكة العربية السعودية وللمرة الثانية خلال أسبوعين لروعة المنظر وجمال الطريق والظفر بصحبة الأصدقاء.
"في كل إنسان قمة عليه أن يصعدها وإلا بقيَ في القاع.. مهما صعَدَ من قمم" إبراهيم نصر الله، رواية أرواح كليمنجارو وحديثة المفتوح لتجربته مع رفقاء وعشاق الترحال بمنتدى قدرات "ابيليتز" وكيف صعد مع أصحاب الإرادة ذلك الجبل الأعلى بالقارة السمراء وإحدى قمم التحدي السبعة، وفيها جمع ما بين ثلاثية القلم والرسالة والتحدي.
وذكرت الجبال في كتاب العزيز لعظمتها وعظمة الأمانة التي يحملها الإنسان "إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا" صدق الله العظيم – الأحزاب آية 72.
وكم من معلم ديني وتاريخي على قممها، ففي نيبو يُعتقد أن روح نبي الله موسى قبضت عليه، وفيه دُفن وأصبح مقصداً ضمن الحج المسيحي بتأكيد الفاتيكان ومباركة البابا، وعلى أعلى جبال العاصمة العربية النبطية مقام أخيه هارون إن جازت الرواية، وليس ببعيد عنه معابدهم الوثنية التي كانت تتخذ من القمم مواقع للتقرب إلى الله وفي يوم واحد استطعنا صعودها الستة بمسار بلغ ٤٢كلم.
فهذه هي الجبال التي يحتفي بها العالم اليوم.