انها دعوة لقراءة او اعادة قراءة مسرحية «البوتقة» للكاتب الاميركي ارثر ميللر الذي استعاد ما قام به غلاة البيوريتانيين في ماساتشوسيتس نهايات القرن السابع عشر في حملة لمحاكمة السحرة والمجدفين تلك الحملة التي تحولت الى ما يشبه الهياج الشعبي ضد خطر غير قائم بالفعل لتتوالى المحاكمات غير العادلة بحق اناس اكثر ايمانا من القضاة الدينيين انفسهم.
لم يكن ميللر يريد اكثر من استعادة احترام الضمير الانساني وتكريس الحق في الاختلاف دون ارهاب اوترويع باعتباره هو نفسه احد ضحايا هذا السلوك السياسي الذي عرف مطلع الخمسينات بالمكارثية حين اتهم وكثير من المثقفين الاميركيين بالتعاطف مع «العدو» الشيوعي.
ومثلما اهدى الادب الاميركي العالم عبقرية بمقام ميللر وعملا ادبيا بمثل روعة البوتقة فان الساسة الاميركان اهدوا العالم ايضا اكثر التصورات بشاعة عبر ما اصبح يعرف على نطاق واسع بـ»المكارثية» ولاحقا ما سمي بالحرب على الارهاب.
غالبا ما تلهم الولايات المتحدة العالم باسره افكارا جديدة بصرف النظر عن مدى انسانية او بشاعة هذه الافكار، والمكارثية ليست خارج هذه المفاهيم الملهمة للعالم بأسره، اذ سرعان ما تتلقف النظم السياسية في العالم ما تنتجه العقول المستنيرة في الغرب وتحديدا في الولايات المتحدة لتعيد انتاجها وتوطينها بما يتوافق مع القيم والاعراف السائدة.
والمكارثّية ليست اكثر من اتجاه قائم على نشر الخوف عبر اتهامات تفتقر الى ادلة دامغة حيث ولد هذا المفهوم مطلع عقد الخمسينات من القرن الماضي في الولايات المتحدة حين نشر عضو الكونغرس الجمهوري جوزيف ماكارثي خوفا مصطنعا من الشيوعية متهما مثقفين ورجال سياسة وموظفين في الخارجية بالتعاطف مع «الاعداء» وهي الشيوعية الى درجة ان وزير الدفاع انذاك روبرت ستيفنز لم يسلم من الحملة.
المكارثية الان وجدت من يطورها ويؤسس لها نظريا ويجعلها سياسة عامة خصوصا في البلدان التي تعيش ازمات.
Sami.z@alrai.com
الرأي