الأردن بين الولاء للوطن والانتماء للأمة (1-2)
د. سحر المجالي
17-07-2010 04:38 AM
تقول الأدبيات السياسية والطروحات القومية والفكرية أن الولاء هو حالة تفانٍ وتكريس يمارسها الفرد تجاه قضية ما أو وطن ما بدافع معين أو بعدة دوافع، وهو أيضا علاقة وجدانية بين المرء وذاته الداخلية المكونة لنفسه وبين ذاته الخارجية التي أصبحت جزءا من الوطن ومن الجماعة التي ينتمي إليها. وهذا كله تشكله الثقافة العامة للشعوب والأمم، وتشكله مكونات الوعي للمتفق عليه أو للمختلف عليه من القضايا، ولكن تنظمها صلة ورابطة واحدة، اي بمعنى أن الاختلاف لا يكون إلا في مدى الإيمان بالطريقة الأسلم والأصح لخدمة الوطن والمواطن.
وقد تطور مفهوم الولاء من الانتماء إلى العائلة إلى الانتماء للقبيلة، ثم إلى المجتمعات المحلية الصغيرة، إلى أن وصلت الى مستوى الولاء للوطن وللأمة وللناس الذين يشكلون الرعية بل وتجاوز البشر ذلك لينضموا الى المجتمعات الإنسانية كلها متخطين بذلك الحدود بمعناها المادي او المعنوي.
وفي العصر الحديث تركز التوجه نحو مفهوم الولاء السياسي الذي انصرف الى التفاني في خدمة الدولة والنظام السياسي الذي يقودها، وأصبح هذا الولاء سابقا ومتفوقا على غيره، بعد ان أدركت الإنسانية المثقفة ان الولاء للمجموع يحمي الفرد ويصونه ويجنبه المزالق، ويعطيه الهيبة ويحقق له أهدافه وطموحاته. فالعامل الذي يوالي نقابته او شركته او مصنعه فانه قبل ذلك يحس ان عليه ان يكون مواليا لوطنه أولا. ومن هنا يجب ان يدرك الفرد ان الولاء بمعناه المطلق يحتاج الى الكثير من التضحية والتفاني، لانه قبل كل شيء تخلٍّ عن الذات في سبيل المجموع، وتخطي الخاص لتحقيق العام، وهذا لا يعني أبدا فقدان الذات، بل يعني ان التضحية بمعناها السامي هي التي تحقق للذات الفردية القدرة والقوة والمكانة، ويبدو ذلك جليا اذا ما تخيلنا مجتمعا لا ولاء فيه وان يبحث كل فرد عن مصلحته بطريقته الخاصة فإننا سنجد أنفسنا وبالضرورة نعيش حياة الغاب التي عطل فيها الإنسان عقله وأطلق العنان لغرائزه، والا فما معنى ان نجد كثيرا من دول العالم المتحضرة والراشدة تدفع بأبنائها وجنودها ليساهموا في حفظ السلم والأمن في بلد أخر تعرّضهم للخطر ولكنها في واقع الأمر تحمي الإنسانية من خطر اكبر.
وفي سياق الحديث عن الأردن، هذا المشروع القومي، فقد تشكلت ، ويجب أن تستمر في التشكل، التنمية السياسية والثقافة السياسية، من خلال الولاء للأردن كوطن والانتماء للأمة العربية كهوية قومية، كما يجب ان يتجذر مفهومي الولاء والانتماء في قلب كل فرد، ويجب ان يكون ذلك صادرا عن إيمان مطلق وقبول ورضا لا يخضعان للنقاش او الجدل او المساومة، مما سيساهم في تفويت الفرصة على الصهاينة و الشعوبيين و الإحلاليين من اختراق مكونات الوطن وتشويه الأسس التي قام عليها، والنيل من الأمة ومس عقيدتها الإسلامية التي تمثل المصدر الأساسي لهوية الشعب الأردني.
والأردن بتكوينه الحالي، لم يكن ذات يوم نهاية الطموح للشعب الأردني، بل كانت الوحدة العربية تمثل الهدف الأسمى والأجل والأرفع للعشائر الأردنية، التي ما إن سمعت بقدوم الملك المؤسس عبدالله الأول بن الحسين، حتى سلمت له الراية عن طيب خاطر وإيمان مطلق بأن الأردن يجب أن يكون قلعة لانطلاق الوحدة العربية المنشودة والتحرر من نير الاستعمار البغيض بقيادة آل هاشم.
ومن هنا فإنه على كل فرد وفي أي موقع ان يعلن عن ولائه للوطن وانتمائه للأمة صراحة، والكل مطالب بان يقول ذلك، والا فإننا سنجد أنفسنا في حالة انفصام، مصدرها النفاق السياسي والتُّقية والمواربة .
Almajali74@yahoo.com
الرأي