لقد صار حريَا فينا أن نتتبع الإجراءات الحكومية وروتين العمل في الدوائر الحكومية، وعلى صاحب القرار أن يجري تقييما للأداء الإداري في المؤسسات الخدمية والعامة، وكيف يصرف الموظفون أوقاتهم خلال ساعات الدوام؟ والموازنة بين إنتاجية الموظف وما يتقاضاه من خزينة الدولة، والنظر في تبسيط الإجراءات لصالح المواطن والعمل الحكومي على حد سواء، والبحث عن مواطن الخلل فيما يتعلق بتعقيد الإجراءات بما لا ينعكس على الاستثمار والاقتصاد بالنفع في الأجل القريب.
لقد ساهم الترهل الإداري بما حمله من فوضى وتراجع كبير من فساد، على تآكل القيمة الشرائية للدينار، فملايين العمال والموظفين تتقاطع أعمالهم، ويعملون في مساحات محددة وضيقة تعمل على تقليل الإنتاجية وتراجع الاقتصاد الوطني، ولا يختلف اثنان على أن المحسوبية وعدم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب والواسطة التي أدت إلى الترهل الإداري قد عملت على استنزاف كبير في الموارد، وقد يئس الذين كانوا يعملون بصمت وإخلاص وبقيم المواطنة الصادقة على المضي قدما في إخلاصهم وستجد الكثير منهم في صفوف المعارضين السلبيين ينتقدون يشعرون بالاضطهاد دون تقديم حلولا، ويبدون آراءهم النابعة من قناعة الكثيرين منهم أن هناك من يتبوأ مواقع لا يستحقها، وفوق ذلك يساهمون في عمليات الشد العكسي بينما يمضي القليل منهم إلى النقد البناء، ولا تجد أذانا صاغية لاستعادة الواقع الأجمل الذي عاشه الوطن في ثمانينيات القرن الماضي، ولهذا تجد أن هناك حاجة شديدة لوقفة وطنية تساهم فيها مؤسسات المجتمع المدني والجامعات والناشطين السياسيين والاجتماعيين والكتاب والتكنوقراط والكفاءات المختلفة لأجل وقف الاستنزاف، وخلق بيئات أكثر قبولا للعمل الاستثماري سواء كان أصحاب المال من الداخل أو الخارج. فالعالم بدأ يتجه إلى الدولة العالمية، وصار بوسع بعض الدول أن تستقطب أكبر الشركات للعمل في أراضيها وتصدير سلعها وهي دول لا تملك إلا الإرادة والإنسان المنتج، وقد كان بمقدورنا أن نستثمر في الإنسان المتعلم وهو كما رددها جلالة المغفور له الحسين الباني أنه أغلى ما نملك، ولكن عدم تراجعنا عن عادات بالية تنخر في مستقبل الوطن وهي عادات تجعل من الذين يقومون بوضع الأشخاص غير الأكفياء في الأماكن الحيوية والهامة، وفي مفاصل السياسة والاقتصاد نتيجة القربى والصداقة كونهم ذوي نفوذ في إتخاذ القرارات. الواسطة والمحسوبية سلوكيات مستشرية تكاد تعصف بكل ما بنيناه خلال المئة سنة الماضية، وتجعل من الذين جعلوا كل مدخرات الوطن ومكتسباته تحت تصرفهم وتصرف عائلاتهم بأنهم أشخاص متنفذين، ويهاب الجميع جانبهم، ويحسب حسابهم في الحكومات والتعيينات ولهم اليد الطولى في كل ما يتعلق بالوطن ورسم سياساته، مع أن أحلام الملك ورؤاه وأوراقه النقاشية قد نبهت وحذرت من تغول إتجاه بعينه دون باقي القطاعات والفئات وجعلت من كل الأردنيين كما الدستور وكل القوانين والتوجهات قد أعطت حقا متساويا لكل الأردنيين والأردنيات، دون أن يكون هناك أي قنوط من فئات بعينها، إذ يتشبث البعض بمناصبهم مع تفوقهم، ويعلمون أن لديهم مدراء ومسؤولين أقل منهم كفاءة وقدرة ومع هذا يرضون بواقعهم بسبب قدرة غيرهم مع قلة الكفاءة على البقاء في المنصب وإقصاء الآخر مهما كان مؤهلا وقادرا وكل هذا يحدث على حساب الارتقاء بمؤسسات الوطن ومنجزاته ومستقبل أبنائه وبناته.
ومن المؤسف أن هناك الكثير من الذين ساهموا في إفشاء الكثير من أوجه الفساد يدعون إلى محاربته والقضاء عليه وكأنهم يقتلون القتيل ويمشون في جنازته، ولكن في ظل إرادة هذه القيادة وتوجهاتها في التحديث، وتوقعاتها في أن يكون في مئوية أخرى لن يظل في مقدور هذه الفئة أن تتبوأ الأمكنة التي لا تستحقها حتى لا يبقى الوطن مستنزفا بموارده وإرادته وطاقة أبنائه.