معالي الشعب الأردنيد.مصطفى الفقي
03-12-2021 08:55 PM
عبارة أطلقها العاهل الأردني الراحل الحسين بن طلال توصيفًا للحالة الأردنية وما يتصل بالمناصب الوزارية وعضوية مجلسي الأعيان والنواب لأن الشعب الأردني في معظمه يراعي التوازنات العشائرية والقبلية والجهوية ضمانًا لتماسك المملكة ورضا الجميع على العرش المحبوب، وأتذكّر شخصيًا أنني كنت في زيارة للأردن منذ أكثر من عشر سنوات ودعيت أنا والوفد المرافق لى لمقابلة الملكة رانيا العبدالله خصوصًا أن مديرة مكتبها السيدة رانيا عطا الله كانت إحدى تلميذاتي بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، وبعد أن انتهت المقابلة وخرجت وجدت من ينظر إليّ في تفحص ثم ينظر إلى اسمي المدون أمامه ليأخذني بالأحضان في ودٍ ظاهر ومحبة صادقة، وقال لي: يا أستاذ ألا تعرفني؟! إنك الذي قدمتني لمكتب جامعة الدول العربية في الهند لأعمل هناك في نهاية سبعينيات القرن الماضي ولقد أكملت دراستي وحصلت على الدكتوراة ومازلت أتذكرك أنت وأسرتك لأنني كنت أساعد ابنتيك الصغيرتين في اللغة العربية مجاملة لك وحبًا فيك، وعندما تفرست وجهه تذكرته جيدًا فهو السيد فيصل الرفوع الذي كان يدرس في الهند طالبًا أردنيا مجتهدًا معروفًا لدى الجميع، وعندها سألته في فضول: وماذا تفعل الآن، ما وظيفتك؟ قال لي: إننى وزير الثقافة الأردنية، وظل ملازمًا لي طوال الزيارة في كرمٍ وأدب شديدين وهي صفاتٌ اشتهر بها الأردنيون، وعندها تذكرت عبارة الملك الراحل الذي كان يوزع أرفع الحقائب الوزارية والمناصب البرلمانية والمواقع المهمة في الدولة في محاولة إرضاء الجميع وكسب ولاء شعبه المتميز وهي سنة درج عليها أيضًا الملك عبدالله بن الحسين كما أن العامل الوراثي يلعب دورًا واضحًا في ذلك أيضًا، وأتذكر أنني التقيت السيد سمير الرفاعي الذي أصبح بعد ذلك رئيسًا لوزراء الأردن وقلت له: إنك ابن رئيس وزراء هو شخصية تاريخية رافقت الملك حسين في رحلته من بدايتها إلى نهايتها وهو السيد زيد الرفاعي الذي كان سفيرًا في لندن – وابنًا لرئيس وزراء راحل أيضًا هو سمير الرفاعي الجد- وذلك عندما كنت دبلوماسيًا في السفارة المصرية في مطلع سبعينيات القرن الماضي، وأضفت للسيد سمير الرفاعي أن عمه عبد المنعم الرفاعي كان سفيرًا في القاهرة وطهران وأصبح بعد ذلك رئيسًا للوزراء أيضًا، كما أن جده لأمه هو السيد بهجت التلهوني الذي كان رئيسًا للوزراء أيضًا معروفًا بقربه من مصر الناصرية، فهذه الزمرة من المناصب الرفيعة تجتمع في أحد فروع العائلة العريقة، والأردن دائمًا بلد الأسماء الكبيرة والشخصيات المرموقة على امتداد ما يقرب من قرنٍ كامل، وأتذكر ارتباط ذلك البلد العزيز بمصر التي درس فيها الملك حسين في كلية فيكتوريا في أواخر أربعينيات القرن الماضي، وقد حكى أمامى السيد زيد الرفاعي عن نادرة مشهورة عندما ترك الكلية هو وزميلاه ذات مساء للنزهة في شوارع المعادي وحلوان على مقربة من مقر إقامتهم وشك حينها البوليس المصري في هؤلاء الشبان الثلاثة واستوقفهم في الطريق إلى المخفر، وسأل زيدا من أنت؟ فقال إنه ابن سمير الرفاعي رئيس وزراء الأردن، وسأل الثاني من أنت فقال إنه ابن الشيخ ياسين وزير مالية السعودية، وسأل الثالث وكان والده يحمل اسم النحاس في وقت كان فيه النحاس باشا هو رئيس وزراء مصر، فحسبهم الشرطى سكارى يمزحون معه، وكاد يتخذ ضدهم إجراءً لولا أنه تأكد في اللحظة الأخيرة من صدقهم بحكم بطاقاتهم المدرسية، هكذا كانت مصر وكانت الحياة الدافئة فيها، ولقد رأيت بعيني على شاشات التلفزة السيد زيد الرفاعي وهو يودع عهدًا ويبدأ عهدًا جديدًا متحدثًا إلى مجلسي الأعيان والنواب يقدم الملك الجديد (صاحب الحضرة الهاشمية) على حد تعبيره بعد وفاة رفيق عمره صاحب الجلالة الحسين، ويومها طوى الأردن صفحة مضت وبدأ فى تسطير صفحة جديدة للعرش الهاشمي الذي ارتبطت به البلاد باستقرار نسبي رغم حساسية موقع المملكة الأردنية والظروف الصعبة التي تمر بها والتحديات التي أحاطت بها عبر السنين، ومازلت أذكر أن صديقي العزيز هاني الملقي الذي كان سفيرًا في القاهرة مرتين ووزيرًا للخارجية ورئيسًا للحكومة الأردنية كان هو الآخر ابنا لرئيس وزراء سابق هو فوزي الملقي الذي كان أول سفير للملك عبد الله الأول في القاهرة، وقس على ذلك أسماء أخرى لبيوت مثل المجالي والمفتي والتل واللوزي وغيرهم من الأسماء العريقة حول العرش الأردني، أفلا يستحق كل هؤلاء أن يخاطبهم ملك البلاد بقوله (معالي الشعب الأردني)؟ إنني أكتب هذه السطور تحية لبلد نعتز به ونقدر أسماء كبيرة فيه بعدما زار ولي العهد القاهرة مؤخرًا تدعيمًا للعلاقة الوثيقة بين البلدين متذكرين أيضًا اسمًا محترمًا في عالم الثقافة والفكر وأعني به الأمير الحسن بن طلال الذي تشرفت بالقرب منه في مناسبات كثيرة في مصر والأردن وفي فيينا عندما كنت سفيرًا لبلادي فيها، كما أن لي صديقا كان يجري حديثًا معي في تلفزيون عمّان منذ عدة سنوات وفي اليوم التالي جرى تعيينه وزيرًا للداخلية وهو الصديق العزيز سمير حباشنة وكأن وجهي كان فاتحة خيرٍ على شخصه الكريم، ومازلنا على تواصل ثقافي وإعلامي حتى اليوم. |
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * |
بقي لك 500 حرف
|
رمز التحقق : |
تحديث الرمز
أكتب الرمز :
|
برمجة واستضافة