شبح الرخاوة .. قراءة في مرحلة الجائحة ومستقبل الدولة
سامح المحاريق
03-12-2021 12:54 PM
كنت من التلاميذ المعنويين الكثر لأستاذ الاقتصاد د. جلال أمين، مرةً واحدةً تمكنت من حضور محاضرة ألقاها في عمان، كان ذلك خريف 2002، وقتها لم تكن الأردن قاربت بأي صورة مفهوماً تحدث عنه أمين في كثير من مؤلفاته وهو الدولة الرخوة، بينما كانت مصر تكتسب عملياً هذه الصفة، ولأنني انشغلت طويلاً بالمفهوم، وتابعت تفاصيله يمكن القول بأن الدولة الأردنية، وعلى الرغم من جميع الإجراءات التي اتخذت مثل الخصخصة وتراجع الولاية العامة وما إلى ذلك، بقيت بعيدة عن الرخاوة إلا أن اللحظة التي دشنت مرحلة الرخاوة بدأت مع تطبيق قانون الدفاع الذي أعلنه رئيس الحكومة عمر الرزاز مع بداية جائحة الكورونا في المملكة.
تساءل كثيرون عن مقابل قانون الدفاع الذي أدى إلى اغلاقات طويلة بعضها لم يكن يقوم على أسباب مقنعة، والدليل أن الأزمة تفاقمت على الرغم من الإغلاقات، وبصورة جعلت الأردن يتحول من نموذج في التعامل مع الأزمة كما ادعت الحكومة في البداية، إلى عبرة مع انفلات الأرقام لتناهز عشرة آلاف حالة يومية، وأكثر من مائة وفاة.
مارست حكومة الرزاز عشوائيتها وتخبطها أثناء الأزمة من توزيع الخبز على الباصات، والوعود بتوزيع السجائر على البيوت، وصولاً إلى إلحاق الشلل بالاقتصاد المحلي لم تكن تقابله أية اجراءات حقيقية تستطيع أن تنقذ الأوضاع الاقتصادية لعشرات الآلاف من الأسر الأردنية، فكل ما كان بوسع الحكومة أن تقدمه هو إجراءات تلطيفية لا تمتلك أي أثر علاجي، ولذلك كتبت وقتها في دفتر صغير، هذه بداية عملية ترخية الدولة Softening of the State، ومع تواصل قانون الدفاع، والرفض المجتمعي لتطبيقه، تحايلاً أو مللاً أو تحدياً كان الأمر يتفاقم، وصولاً إلى أن يصبح مشهد شخص يرتدي الكمامة هو الاستثناء في شوارع الأردن.
الحكومات إما غير معنية أو غير قادرة على التواصل مع الجمهور، فلم تستطع أن تسوق قانون الدفاع، ولا أن تقدم مبررات مقنعة لاستمراره، ولا أن تتخذ خطوات تظهر أصلاً تمسكها به، فالحفلات كانت في كل مكان، والمخالفات تجري بمزاجية، ولا يعرف الكثير من المواطنين أن قانون الدفاع مثلاً يمنع العديد من الشركات من التسريح الجماعي لموظفيها، والحكومة تقف أمام هذه الاحتمالات من غير حلول معقولة حتى اللحظة.
أن تضع قانوناً وتصدر بموجبه تعليمات لا تتمكن من تطبيقها أو تطبقها بصورة ضعيفة، وأن تصل بالناس إلى استمراء مخالفتها، أمر على قدر كبير من الخطورة، فقانون يدور حول الكمامة والاجراءات الوقائية اليوم، يمكن أن يصبح قانوناً يتعلق بالاقتصاد أو الجوانب الجنائية غداً، والأصل كان أن تدار عملية الالتزام بقانون الدفاع والأوامر الصادرة بموجبه بكثير من الحكمة والصبر والخبرة في توقيت الإجراءات وتنفيذها.
خرجت حكومة الرزاز بخيارات غريبة منذ البداية، وتواصلت على المنوال ذاته، وكانت حكومة تفتقد لأي عمق بيروقراطي يمكنه أن يواجه الأزمة مستنداً على التقاليد السابقة المترسخة التي كان يمكن إعادة إنتاجها، وأتاح الفرصة لاجتهادات من وزراء غير مؤهلين لا يمتلكون أي خبرات حقيقية، لا في القطاع العام ولا الخاص، وبعضهم انحصرت اهتماماتهم في مطاردة الكاميرات والتواجد في استديوهات التلفزيون.
لست أعلم هل تقف الحكومة الحالية على المشكلة القائمة، وهل تسمح أوقات حضورها القليلة لقراءة المشهد من هذه الزاوية، أم أن التغيب واللجوء إلى استراتيجية (سكن تسلم) يجعلها تحاول شراء الوقت بغض النظر عن ظاهرة مقلقة يجب الوقوف عندها ومحاولة احتوائها قبل التورط في مزيد من الرخاوة، وهو الأمر الذي لا نحتاجه ولا يسمح به التوقيت ولا الظروف، على العكس من ذلك، نحتاج إلى تماسك وانسجام وتواصل وابتعاد عن المناكفات لتجنب أن نشترك جميعاً في الالقاء بالأردن إلى مزيد من الخيارات الصعبة.