ما أن وصلت أمس صباحًا نهاية شارع الأمير شاكر بإتجاه إشارات وادي صقرة حتى ذُهلت من هول حادث سير مروّع قد وقع قبل قليل من وصولي بين باص ومركبة، ذُهلت حتى شردت عن وجهتي وأنا أدعو أن لا يكون ضرر قد وقع للسائقين والركّاب وأحاول فهم كيف حدث... وما أن وصلني الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي وعلى وجه الخصوص عبر صفحة وكالة عمون الإخباريّة التي أتابعها يوميّا بإهتمام ومعه فيديو الحادث حتى تبيّن لي كما تبيّن للعديد من المتابعين أن هناك تجاوز سافر للإشارة الضوئيّة الحمراء.

ولا يخفى علينا في الآونة الأخيرة أن هناك العديد من السائقين الذين يرتكبون مخالفات كثيرة لقواعد السير غير أبهين بعاقبتها وعقوبتها. فهل يتطبق المثل الشائع من أمِن العقوبة أساء التصرف؟ وهل تغليظ العقوبة يحلّ المشكلة التي تزيد يومًا بعد يوم؟ وهل زيادة المراقبة المروريّة من كوادر وأدوات وكاميرات هو الحلّ؟

في الحقيقة، إن العوامل التي تضبط سلوك الأشخاص وتردعهم عن الخطأ داخليّة أكانت من نشأة وبيئة وقيم وعادات وتقاليد وضمير أو خارجيّة مرتبطة بالتوعيّة والقوانين والأنظمة والعقوبات الرادعة يتوجب أن تعمل معًا وبشكل متوازٍ، من خلال البيت والمدرسة ومؤسسات المجتمع ومن خلال أدوات المراقبة الرسميّة وتطوير القوانين والأنظمة.

وإن تجاوز وقطع الاشارة الحمراء أو حتى الصفراء بهدف توفير أو كسب دقائق معدودة لا تتجاوز الأربع، ما هو إلا مشروع لحادث كبير غير محمود نتائجه، نعم إن من يحاول توفير بعضًا من الوقت في تجاوز الاشارات الضوئيّة سيجد نفسه يُعرض نفسه والأخرين لنتائج لا تُحمد عقباها، عدا ذلك أنها ستأخذ من وقته ووقت الأخرين أياما وأحيانا أشهر - إذا لا سمح اللـه وقعت الواقعة - عِوضا عن إنتظار دقائق قليلة لتصبح الاشارة خضراء تسمح بالمرور الآمِن.

وجديرٌ بالذكر أن قانون السير يكتفي بعقوبة تجاوز الاشارة الضوئية الحمراء والتي هي في مصاف الجنح وفي مادته (29) بالحبس مدة لا تقل عن أسبوع ولا تزيد على شهر أو بغرامة لا تقل عن (100) دينارًا ولا تزيد عن (200) دينارًا أو بكلتا العقوبتين، أي أن الإدانة القانونيّة لهذه المخالفة تتمثل فيما ذُكر وتكتفي بالحبس (أسبوع – شهر ) أو بالغرامة (100 دينارًا – 200 دينارًا) أو نادرًا بكلتا العقوبتين.

وحيث أن قطع الاشارة الضوئية الحمراء جرم جسيم، لأنه بطبيعته يؤدي إلى زيادة الخطر حكمًا، ولأنه على الأغلب سينجم عنه حادث لا تُحمد عقباه، لا بدّ لنا أفرادًا من إدانة هذا التصرف غير المسؤول إدانة أخلاقيّة ولا بدّ للمجتمع ككلّ ومؤسساته التربويّة والتعليميّة ومؤسسة الأسرة من إدانة هذا السلوك الفوضوي إدانة مجتمعيّة، لا بل يتوجب تجاوز الإدانة إلى العمل الجادّ نحو تصحيح المسألة، كلّ وعليه هذا الالتزام.

وأما عن أصحاب القرار من مشرعين للقوانين والأنظمة ومنفذين لأحكام التشريعات فيقع على عاتقهم ومن مسؤولياتهم العمل وبشكل متوازٍ على ذلك من خلال تطوير التشريعات بما يتناسب والتغيرات التي طرأت مؤخرًا وتطرأ على سلوكات أفراد المجتمع ومن خلال إستخدام الأدوات المناسبة للمراقبة المنتظمة وأخصها كاميرات الرصد الرقميّة ومن خلال إصدار التعليمات المشددة للكوادر المعنيّة لضبط المخالفات بأشكالها وصورها وأهمها مخالفات الدرجة الأولى ومنها تجاوز الاشارات الضوئية.

يطول الحديث والبحث.. ما لنا من حقوق وما علينا من واجبات هو لُبّ المسألة، ففي ذات الوقت التي نطالب به من حقوق يقع على عاتقنا جميعًا القيام بما يتطلب منا من واجبات على المستوى الشخصيّ أو المستوى المجتمعيّ أو الرسميّ.