تكريس المِثْلِّية بالإعلام والسياسة
علي الزعتري
01-12-2021 12:59 PM
أعودُ لهذا الموضوع الذي لا يُكتبُ عنه كثيراً وقد دفعني للكتابةِ عنه مجدداً ما قاله الرياضي المصري محمد أبو تريكة في اعتراضه على تشجيع وتكريس المثلية من خلال مباريات كرة القدم البريطانية، وتعميمٌ صدر مؤخراً من أحد أذرع الأمم المتحدة الهامة والعاملة بنشاطٍ بمنطقتنا. التعميم يدعو الموظفين والمطلعين للتقدم لوظيفةٍ تشجع على التواؤم والمحبة المِثلية. وكذلك إلغاء بطولة عالمية للعبة الاسكواش بعد رفض ماليزيا استقبال فريق الصهيونية. والشيئ بالشيئ يُذكر.
تعددت النظرة للمِثلية، وخلال السنوات تطورت. الأديان تتناولها بالتحريم وإن مال َبعضها للتسامح؛ والعلم يتناولها بالتفسير. فمن قائلٍ أنها غريزة طبيعية أو مرض أو أنها محض اختيار شخصي عقلاني، والقول الأخير سادَ في الغرب تماماً. والقانون يتجاذبها بين التجريم المطلق والسماح غير المكبوح مُتعللاً بحقوق الإنسان. بعضُ المجتمعات تنظر لها بالرفض أو بالتورية كأنها لا توجد، وبعضها بالقبول والتشجيع والترويج. كل اعتبارٍ ديني وعلمي وقانوني ومجتمعي يحتملُ درجاتٍ من المعاملة.
على مر العصور ومنذ بدأت المثلية بقوم لوط عاشت هذه العقلية والرغبة والممارسة الشاذة بين البشر وبقيت مستترةً حتى سنواتٍ قليلةٍ ماضية حين شاعت الجرأةُ بين المثليين فأعلنوا توجههم وسعوا مع السياسيين والقانونيين والعلماء لتشريع المثلية، وهو ما حدث في الغرب. حتى وصلت الأمور للزواج وبناء عائلاتٍ مثلية.
لا تزال المِثلية عندنا بمنطقتنا مستترةً إلا من ظواهر منفردة لكن الأغلب على الظن أنها لن تبقى مستترةً لزمنٍ طويل أمام الطوفان الإعلامي والتواصل المجتمعي المشجعين لها وأمام تفضيل الدولة والهيئات الدينية التعامل معها إلا من باب الجريمة إن أُرتُكبت ومن باب الستر للمنكر. والواقعُ يقول أن هذه السياسة الخجولة ستفقدُ الزمام و لن تستطيعَ أن تقف بوجه إعلامٍ مُوَّجهٍ صارخٍ مؤيدٍ للمثلية و مؤشراتٍ عديدةٍ على انفتاح المجتمع على قبول المثلية والمثليين.
تتوازى هذه المؤشرات وشروط تضعها جهاتٌ دوليةٌ متعددة تحت عنوان التساوي ونبذ العنف والخوف الغريزي القائم على النوع وتحبيب الاندماج وذلك عندما تقوم هذه الجهات بمشاريع تنموية وإنسانية تحمل أدبياتها هذه الرسائل. وما التعميم الذي ذكرت إلا أحد هذه العناوين. على سبيل المثال، فإن السياسة المتبعة في الأمم المتحدة، وفي معظم المنظمات العاملة في الشأن التنموي والإغاثي سواء كانت تابعة لدولة أو دولية، تسمح وتشجع وترعى كل أنواع المثلية والمتحورين جسمانياً جنسياً وتطوعاً، بمعنى أنهم ليسوا حالاتٍ مرضية تستدعي التدخل الطبي. ومعظم هذه المنظمات له وجود قوي بمنطقتنا. كما أن كل التعليمات الوظيفية وحقوق الموظفين تغيرت وصار من حق الموظف المِثلي، ذكراً و أنثى، إضافة زوجه المماثل و تبني الأطفال. ومن حق الموظف المبعوث لدولةٍ أن يلتحقَ به شريكه المماثل. و هذه كانت معضلةً عند بعض الدول العربية، أن تمنح حق الإقامة لمثلي شريك لموظفٍ دولي مثلي. لكنها خضعت أو غضت البصر. كما توفد المنظمات بعثاتٍ متخصصة لمكاتبها لإرشاد موظفيها بحقوقهم ومنها حقوق المثليين. لم يكن هذا ليكون لولا انتشار واتساع و علو شأن الموظفين المثليين بالمنظمات الدولية والدعم السخي من الدول الغربية. و اليوم يندر أن ترى منظمةً لا يرأسها أو من كوادرها الرئيسية مِثلِّيٌ و مِثليةٌ بل أن عَدْلاً عكسياً يتم ممارسته بتشجيع توظيفهم على توظيف من ليسوا مِثليين. هذا مثيلٌ من الضغوط الناعمة لكن المتواصلة التي مع الوقت ترسخ المِثلية. وهي ستصبح مشكلة علاقات بين الدول كذلك فبعض الدول الغربية تصدر تقريرا سنويا يذكر من الدول من يتحاب و يتكاره و ينكر حقوق المثليين و قد ينال الكاره بعض العقوبات. و هناك من الدول من تُعَّيِّنَ سفراء مثليين فارضة على الدول أن تقرر قبولهم رضوخا أو ترفضهم لتقع في حرج، و إن قبلتهم فمعنى هذا قبول الشريك والولد و العلاقات المُنَمِيةَ للمثلية. و من الدول من وزراء بارزين بها مثليون. الأمثلة كثيرة و متنوعة و ليست إطلاقا محور طرافة يتندر به البعض بل أنه موضوعٌ جادٌ و لا يخلو من تبعات.
كما أن جل ما يعرض من أفلام و مسلسلات غربية، و بعض العربية، بدأ يُظْهرُ المثليين كما هم بكل حياتهم و شركائهم و الدفاع عن حقوقهم و الحماية لهم. مجتمعنا المشاهد للإعلام هذا لم يعد يستهجن أو حتى يستحي من هذه المشاهد. التحول من الرفض والاستنكار للقبول أخذ وقتاً لكنه ينجح بتحويل المعتقدات التي يحملها المجتمع خاصةً من الصغار و الشباب. و سيل الإعلام الجاذب لا يتوقف عن اكتساب هؤلاء المشاهدين. وكذلك ما تروجه المباريات الرياضية التي انتقدها أبو تريكة، و معه كل الحق. تخيلوا لو قررت الفيفا تشجيع المِثلية خلال موسم كأس العالم القادم و رفضت ذلك الدولة المنظمة. هل ستلغي الفيفا الموسم؟ مثلما صار ببطولة الاسكواش مع اختلاف السبب و اشتراكه بسياسة الدولة المضيفة و ممارستها لحقها. و لو لم تمانع الدولة المضيفة فما تبعات ذلك؟!
القضية اليوم ليست وجود المِثلية فهي موجودةٌ و ستبقى، لكنها في كيفية التعامل مع انتشارها قبل أن تصبح عندنا حالةً عامةً وعندها لا ينفع معها التجاهل و التورية و أن تصبح مفروضاً علينا أن نتقبله. و لا أقول بقبولها، فهي حرامٌ و عيبٌ و مُنكرٌ نرفضه ما عشنا. لكنها مع الإعلام الفاجر ستصبح مشكلة عائلية قريبا ومع التدخل الدولي مشكلةَ حكومات و معضلةً دينية طالما لا تتم دراستها و إيجاد مداخل منطقية و إرشادية للتعامل معها. فليقل لنا لذلك القانونيون و العلماء في الشرع و السياسيون كيف التعامل مع المثلية حين المجتمع يتواجه مع الإعلام الذي يعرضها كطبيعةٍ مقبولة والسياسة الدولية التي تتبناها و تفرضها بنعومة و خشونة علينا.