المستشفيات الحكومية والمرتكز المرير
المهندس قصي حرب
01-12-2021 10:06 AM
تعتبر الأردن من الدول التي تتقدم وتنمو بشكل جيد في المجال الطبي بمختلف أركانه وفي مجال البحث العلمي في التخصصات الطبية أيضاً، الأمر الذي جعل الأردن محط أنظار دول الجوار، ومقصدا لهم لرحلات العلاج، وفي استقطاب الكفاءات الأردنية العاملة في المجال الطبي بمختلف تخصصاتهم وخبراتهم، وهذا لا يمكن إنكاره، ولكن المستشفيات الحكومية تعاني من واقع مرير يلمسه المواطن الأردني ويُفقد ثقته.
المواطن الأردني عندما يراجع في المستشفيات الحكومية سواء بصورة مستمرة أم متقطعة، يلمس نقطة هامة غير مراقبة بالشكل الصحيح في مختلف مستشفياتنا الحكومية (مستشفيات وزارة الصحة)، وتتمثل هذه النقطة بالنظافة العامة والمحافظة على الصحة المهنية في مختلف المستشفيات والمراكز الصحية الشاملة، فالصورة النمطية الحاضرة الراسخة عندما نستحضر أذهان الشارع الأردني عن المستشفيات الحكومية، بأنها مستشفيات لا تحقق المستوى المطلوب من النظافة العامة، الأمر الذي يناقض سياسات البيئة المهنية والصحة العامة وضبط العدوى الموضوعة من قبل وزارة الصحة للمستشفيات سواء الخاصة أو الحكومية لتحقيق بيئة آمنة للمريض.
بالبحث في هذا الموضوع، نجد أن وزارة الصحة سنوياً تخصص مبلغاً كبيراً من موازنتها السنوية لطرح عطاءات تقديم خدمات النظافة العامة والتدبير المنزلي لمختلف مستشفياتها ومراكزها الصحية من خلال دائرة المشتريات الحكومية، وعلى القوانين والسياسات الناظمة للمشتريات الحكومية، والجدير بالذكر أن آلية الطرح سليمة ولكن آلية الإحالة يغيب عنها المنطق في معظم الأوقات، كونها لا تحقق روح نظرية (الأرخص المطابق) في علم المشتريات، فعندما يُحال عطاء على احد المناقصين بسعر افرادي لا يحقق متطلبات العمل بصورته المطلوبة يجدر بنا التوقف والبحث ومراجعة العرض المالي تحديداً والربط بينه وبين ترهل النظافة العامة في المستشفيات الحكومية، وإحالات العطاءات وبين العرض الفني المقدم في المناقصة والتفكير بالباطن.
سعر إفرادي يُقدم من أي مورد أقل من (375) دينار أردني على العامل الواحد (8 ساعات عمل / 7 أيام أسبوعياً) وتضاف له ضريبة المبيعات تقريباً، لن يحقق الغاية المطلوبة على أرض الواقع ولن نتقدم ونصلح في ملف إدارة المستشفيات من الناحية اللوجستية شيئاً، وبتحليل هذا الرقم الوارد أعلاه ضمن جدول تفصيلي للقائمين على المشتريات، تُفهم المعادلة وسبب الترهل وسوء وضع الصحة العامة (النظافة العامة والتعامل مع النفايات الطبية) في المستشفيات الحكومية، وكيف يُدار ملف النظافة العامة في مختلف المستشفيات الحكومية من قبل الموردين ليتفادوا الخسارة في المشروع بعد الإحالة وممارسة العمل اليومي، مع العلم أن الموردين للخدمات والذين يشاركون في دعوات العطاء عددهم محدود ومكررين مقارنة مع عدد الشركات المرخصة لدى دائرة مراقبة الشركات والمؤهلة للقيام بالأعمال ولديها الخبرة والقدرة والكفاءة والسيرة الذاتية.
إدارة هذا الملف يتطلب تكثيف الرقابة من قبل وزارة الصحة أولاً، على الموردين، وتغيير سياسة إدارة هذا الملف وتطوير منظومة الإدارة وتدوير القائمين على الرقابة من الشمال الى الجنوب، ثانياً يجب على أجهزة الدولة الرقابية (ديوان المحاسبة، هيئة النزاهة ومكافحة الفساد)، والتي تراقب عمل السلطة التنفيذية متمثلة بوزارة الصحة متابعة هذا الملف، وكيف يتفادى المورد الخسارة في العطاء، رغم أن الأسعار الإفرادية المتفق عليها لا تحقق التكاليف في بعض الأحيان إن تم إعادة الدراسة والحساب بشكل سليم ومنطقي، وحلول الإحالة على المورد الكفؤ سهلة، وحلول الرقابة ورفع كفاءة المتسشفيات سهلة، ولكن على المعنيين الدراسة وإعادة التقييم والبحث بالباطن، والضرب بيد من حديد لأن الوطن ومقدراته وأمواله العامة أمانة، وجلالة الملك يولي المواطن الأردني جل اهتمامه ورعايته، بحقه بأن ينعم ببيئة صحية آمنة.
المواطن الأردني يثق بطبيب وزارة الصحة عندما يتقاعد وينتقل للعمل في القطاع الخاص سواء لحسابه الشخصي أو لحساب مستشفى خاص وهذا راسخ بالفكرة النمطية في كل بيت أردني، فالفرق بين المستشفيات الخاصة الكبرى تحديداً والمستشفيات الحكومية (وأخص بالذكر المستشفيات الخاصة الكبرى كون أن عدد مرتاديها كبير لتكون المقارنة قريبة ومنصفة) أن المستشفيات الخاصة تطبق روح نظرية (الأرخص المطابق) وتراقب المورد وتدير نشاطه بشكل رقابي دقيق، الأمر الذي يرسخ في الأذهان الفكرة المبنية عند كل مواطن أردني عن الفرق بين المستشفى الخاص والحكومي، والجدير بالذكر أن أطباءنا في القطاع الخاص والقطاع العام هم أبناء بلد واحد ومعظهم أبناء جامعات محلية ولديهم الكفاءة ولكن مسئلة ثقة المواطن الاردني بالقطاعين تتمثل بطريقة الإدارة والرقابة لعدد من مرتكزات قيام هذه المنشآت، وليست الثقة بالكادر الطبي.
الأردن بمسيرته التي تجاوزت المئة عام، يجب أن ينال الأفضل وهو ليس بصعب إنما نحتاج لضميرٍ حي يغار على المقدرات الوطنية، ويعتبر الوطن بأنه البيت الكبير الجامع لكل أفراده والذي يجب أن يكون المقصد ومضرب المثل، كما أرادته القيادة الهاشمية منذ لحظة قيام هذه الدولة العريقة إلى يومنا هذا بقيادة الملك المعزز عبدالله الثاني بن الحسين – حفظه الله ورعاه وولي عهده الأمين.