لا يجب معاقبة جنوب إفريقيا بعد أن كشف الأطباء فيها عن وجود متحور جديد، هو الأخطر من بين كل سلالات عرفتها البشرية منذ انتشار فيروس كورونا في بلدة يوهان الصينية، وإنما على دول العالم تقديم الشكر والدعم للأجهزة الطبية في جوهانسبرغ.
وقف الرحلات من وإلى جنوب إفريقيا، يبدو لي ردة فعل فورية مبالغة، ولكنها مبررة. الفيروس اللعين علّم البشرية درساً لن تنساه، ويجب عليها أن لا تنساه، وهو أن تتعايش معه ومع كل سلالاته، وبخاصة أن مسارات تطوير اللقاحات، بات اليوم أسهل بكثير من البدايات، وهذا ما أكده العالم البريطاني «أندرو بولارد» الذي قاد الأبحاث حول لقاح «أسترازينيكا». أنه يأمل التوصل إلى لقاح للمتحور الذي أطلق عليه الآن اسم «أوميكرون» خلال أسبوعين أو أكثر قليلاً.
يبدو أن أعراض الطفرة الجديدة لا تختلف كثيراً عن الطفرات السابقة، لكن أعراضاً غير منطقية ظهرت على مرضى الدكتورة «أنجليك كوتزي» في جنوب إفريقيا من بينها ارتفاع شديد في نبضات القلب، ويبدو أن السلالة الجديدة قادرة على الانتشار بسرعة أكبر بـ 260 مرة عن سلالات العام الماضي، وأن القادم الجديد يمتلك 11 طفرة إضافة إلى اثنتين أخذهما من الطفرات السابقة. لا أحد حتى الآن يستطيع أن يحسم أمر هذا المتحور من حيث شخصيته. أعراضه. مدى فعالية اللقاحات السابقة، للتصدي له، لكن من الثابت أنه أخطر وأسرع من سابقيه. رغبته في تحقيق الهجوم أكبر، إلا أنه من السهل في الغالب الكشف عنه عن طريق فحوصات «بي. سي.آر» بسبب فقدانه لجين «إس». الأطباء عبروا عن مخاوفهم من احتمالات أن يصاب به المرء دون أن تظهر عليه أعراض الإصابة.
يحتاج العلماء إلى أسبوعين على الأقل لدراسة هذا القاتل الجديد، ومعرفة طرق التصدي والمواجهة. الثابت، والثابت الوحيد أن التباعد الاجتماعي، واستخدام الكمامة بشكل صحيح ودائم، إضافة إلى الحصول على الجرعات الثلاث من المطعوم، ستخفف حدة الإصابة إن لم تمنعها، وستقلل أخطارا ناتجة عن الإصابة بالفيروس، وينصح الأطباء بأخذ الجرعة الثالثة، ومن «فايزر» بالتحديد.
وإلى حين يتمكن العلماء من التعرف على الشفرات الوراثية للمتحور جنوب الإفريقي، فإننا يجب أن ندق ناقوس الحذر من جديد، والعودة إلى التشدد في تطبيق بروتوكولات السلامة. لا إغلاق بعد اليوم. هذا ما فرضه الفيروس. يبدو أنه يحب التعايش مع البشر، ويكره الإغلاقات، ويبدو أن من لم يأخذ الحيطة والحذر، ولم يلتزم في الماضي، عليه الآن أن يلتزم، وأن ينتبه. المسألة جد خطيرة، وغير قابلة للمغامرة. قضية تتعلق بالأرواح وبسلامة الأوطان.
الانفلونزا الإسبانية حصدت في بدايات القرن الماضي في موجتها الثالثة، ما لم تستطع تحقيقه السلالات في الموجتين الأولى والثانية في الولايات المتحدة وأوروبا، فعندما انطلقت الثالثة من إفريقيا، حصدت الملايين. يكفي أن نستمع إلى وصف الأطباء لهذا المتحور. قالوا السلالة الأكثر رعباً، والأكثر سوءاً، وسرعة في الإصابة. كل ما هو مطلوب الحذر والالتزام بقواعد السلامة على نحو صارم، والتوجه لأخذ المطاعيم لمن لم يبادر حتى الآن بأخذها. هذا نداء أخوي أوجهه لكل أردني على أرض الوطن، حتى نجنب أنفسنا وأهلينا مصائب الوباء، وأولها وأخطرها فقدان الأحباب. كفانا ما أصابنا من آلام الفقد، فاتقوا الله في أنفسكم، وفي أهل بلادكم، واللهم عافنا، واعف عنا، وارحمنا.
(الدستور)