عباس إذ يراهن على موسكو؟!
د.حسام العتوم
29-11-2021 01:49 PM
زار الرئيس الفلسطيني محمود عباس موسكو مؤخرا بتاريخ 23 تشرين الثاني 2021، والتقى في صدرها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولم يكن موضوع تبادل الزيارات الرئاسية بينهما هو الأول، وثمة انسجام سياسي واضح بين السلطة الفلسطينية و بين القيادة الروسية التي يتقدمها بوتين وسيرجي لافروف وزير خارجيته. وما تطالب به السلطة الفلسطينية من دولة فلسطينية كاملة السيادة و عاصمتها القدس الشرقية مع تجميد الاستيطان اليهودي غير المشروع فوق الأراضي الفلسطينية المحتلة، ودراسة حق العودة أولا و التعويض ثانيا. وهو الذي تنسجم معه موسكو بالكامل، وتعطي أولوية لحل الدولتين عبر قيام دولة فلسطين و عاصمتها القدس الشرقية، والتحفظ مرحليا على حق العودة والتعويض لحين قدوم الوقت المناسب للتفاوض مع إسرائيل بخصوصهما. والمعروف أيضا أن عباس هو خريج جامعة صداقة الشعوب في موسكو، ورسالته للدكتوراة عام 1982 كانت بعنوان: "العلاقة السرية بين ألمانيا النازية والحركة الصهيونية"، الأمر الذي يعني بأنه العارف بالشأن الروسي من الداخل، ويراهن بقوة على الموقف الروسي الثابت من القضية الفلسطينية العادلة، والعالقة من دون حل جذري مقنع ومنصف لتاريخ النضال الفلسطيني منذ عامي 1947 1948 .
ويقابل هذه المعادلة، أن بوتين نفسه سبق له أن عمل وسط تاريخه الأمني (اللوجستي) في ألمانيا الشرقية في جهاز (شتازي) عام 1985 لصالح الاتحاد السوفيتي وبلده الأصيل روسيا السوفيتية، وهو معني أيضا بالفكر المناهض للصهيونية رغم مساندته لإسرائيل المعاصرة من زاوية التعاطف مع محرقة يهودها على يد النازية الألمانية عامي 1939 1945، رغم علمنا بأن (المحرقة) المزعومة وجهت لكل السوفييت و لكل شعوب العالم. ويتفاخر السوفييت ذات الوقت بأن جيشهم الأحمر طارد النازية الألمانية هو نفسه باني (دولة إسرائيل) على حدود عام 1948 بجهد الزعيم السوفيتي (جوزيف ستالين)، ووفقا لقرار الأمم المتحدة عام 1947بعد التفاف الصهيونية عليها، وبتصويت 33 دولة لصالح قرار التقسيم الذي عارضه العرب وقتها و عمقهم الإسلامي الواسع.
وتزامنا مع زيارة محمود عباس لموسكو الحديثة، جرت زيارة مماثلة للشخصية الفلسطينية الأمنية والسياسية المعروفة محمد دحلان، وهو المعارض لمحمود عباس، وينافسه - كما يعتقد- على زعامة السلطة الفلسطينية، ويطالب بالتصالح مع حماس بعد فوزها بالانتخابات التشريعية عام 2007 والذهاب للإنقسام الفلسطيني، والدعوة لانتخابات تشريعية ورئاسية شاملة. والمعروف في المقابل أيضا، أن عباس نفسه اختلف مع ياسر عرفات عندما كان رئيسا للوزراء عام 2003، ونافسه على مقعد السلطة، لكن أحدا - والحق يجب أن يقال- لا يستطيع حتى الساعة من التزاحم على رمزية السلطة و الزعامة وسط تنظيم فتح كما عرفات حتى بعد رحيله واستشهاده رحمه الله.
وما رَشح من موسكو بعد لقاء دحلان – لافروف الأخير ، هو شروع موسكو بوساطة بين عباس ودحلان داخل سياج فتح، وبهدف إعادة ترتيب البيت الفلسطيني ومطالبتهم بتحريك مسار الرباعية الدولية، وبعقد مؤتمر جديد للسلام الشرق أوسطي، ولإنصاف القضية الفلسطينية من جديد عبر إعادتها لطاولة الحوار مع إسرائيل تحت مظلة دولية ووفقاً لأوراق الشرعية الدولية. ومن المهم ملاحظته هنا، أن عباس الذي يراهن على موسكو (المعارضة) نسي بأن مفتاح الحديث مع تل–أبيب مركون في واشنطن )الايباك، الكونغرس، البنتاغون) التي يقاطعها بسبب تبنيها صفقة القرن المشؤومة والمرفوضة فلسطينيا و عربيا رسمياً وشعبياً.
ومن جديد، فإن التوجه الفلسطيني السياسي صوب روسيا الإتحادية حميد و مطلوب، نظرا لوضوح الموقف الروسي الرسمي، رغم العلاقة الإستراتيجية أيضا مع إسرائيل، وهو الموقف المختلف عن الأمريكي بطبيعة الحال المساند لإسرائيل في السراء و الضراء، لكن روسيا المعارضة ليست وحيدة في القرار السياسي الدولي، فهي جزء لا يتجزأ من منظومة اللجنة الدبلوماسية الرباعية إلى جانب (الولايات المتحدة الأمريكية، والأتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة).
والمعروف بأن أمريكا تحديداً، تقيم حربا باردة مع روسيا، وتعمل ليل نهار للسيطرة على أركان العالم من وسط قطبها الواحد لتحقيق أهداف استراتيجية (سياسية، واقتصادية، وأمنية، وعسكرية)، ومنها غير تقليدية بعيدة المدى، وتماحك روسيا من أجل ذلك، وتجر خلفها الاتحاد الأوروبي وأوروبا، وتشكل معهما منظومة الغرب خدمة لحربها الباردة من طرف واحد، وهي -أي أمريكا- مسيطرة على الأمم المتحدة و تقفز على شرعيتها بوضوح، وتمتلك حق (الفيتو) كما روسيا، والصين، والمملكة المتحدة، وفرنسا في مجلس الأمن. وهي قادرة على تعطيل القررات الهامة المتعلقة بشرعية القضية الفلسطينية العادلة، وهو الأمر الذي يتطلب من السلطة الفلسطينية إنهاء مقاطعتها لأمريكا والذهاب معها ومع إسرائيل إلى حوار محدد بزمن وفوق الطاولة على غرار مصر، والأردن، والبحرين، والأمارات، والمغرب، خاصة وأن قضية فلسطين هي الأكثر سخونة والوحيدة العالقة من دون حل جذري مقنع إلى جانب الجولان ومزارع وتلال شبعا اللبنانية والتي تعتبرها إسرائيل سورية (ولا ضير في ذلك)، والأهم عودتها للديرة العربية. ويقابل ذلك ضرورة الانتباه إلى أن الجلسات السرية لمؤتمر (أوسلو) (1991-1993/ مدريد - واشنطن) لم تُجد نفعا، والجوار العربي مثل الأردن تحديداً معني أولاً بمخرجات الحلول الفلسطينية – الإسرائيلية خاصة في موضوع اللاجئين.