وجهة نظر في الأداء الحكومي
الدكتور خلدون راغب الخطيب
28-11-2021 08:00 PM
ونحن في أصداء التشكيلات الوزارية الذي تتم بين آن وآخر والاهتمام الشعبي بالتشكيل الوزاري، وغير المعتاد في تشكيلات وزارية كثيرة سابقة، ربما للصعوبات الحياتية والأزمات الاقتصادية الطاحنة التي تواجه الجميع وتعلق آمالهم في هذه الحكومة باعطائها فرصة لتصحيح أوضاع البلد والمواطنين وزيادة قدرات الحكومة لإيجاد مخرج سريع للخروج بالبلاد من هذه الأزمات بلا مزيد من التضحيات التي يتحمل أعباءها غالباً الطبقات الكادحة من هذا الشعب العظيم في إرادته والفريد في صبره!
ولعله يكون مناسباً قبل غلق هذا الملف من أجندة الاهتمام الشعبي إلقاء نظرة تحليلية سريعة علي التركيب البنائي والهيكل التنظيمي الوزاري للحكومات ومدى فعاليته في قيامه بمهامه كجوهر السلطة التنفيذية للبلاد وما هو المطلوب لزيادة هذه الفاعلية بغض النظر عن تغيير شخص الوزير المسؤول عن هذه الوزارة أو تلك.. وذلك من خلال النقاط الآتية:
أولاً : تحديد المهمة الرئيسية للحكومة كسلطة تنفيذية ..وهي كما نعلم جميعا تتلخص في الآتي:
1- تنفيذ السياسات الثابتة للمملكة التي يتضمنها الدستور الذي وافق عليه الشعب الأردني.
2- تنفيذ التشريعات والقوانين التي تقرها السلطة التشريعية للبلاد من خلال نواب الشعب الأردني في البرلمان.
3- تنفيذ الأهداف الاستراتيجية المحددة التي تحقق الرؤية المستقبلية للبلاد في التنمية المستدامة والتقدم المنشود في مختلف القطاعات.
4- تنفيذ الاجراءت التصحيحية اللازمة لأي قصور أو فجوات في تحقيق ما سبق في ضوء نتائج المراقبة الذاتية من أجهزة الحكومة نفسها بالاضافة إلى نتائج مراقبة البرلمان وأحكام السلطة الثالثة (القضائية ) في هذا الشأن.
-تلك هي المهام الرئيسية التي يجب أن يتمحور حولها الهيكل التنظيمي الوزاري كأداة للتنفيذ خاصة البند 3 الذي يتعلق بأهداف استراتيجية محددة على مستوى المملكة حيث يتسم بالديناميكية لإرتباطه بالتغييرات في العوامل الخارجية والداخلية واحتياجات الشعب الأردني وباقي المعنيين في تحقيق التنمية والتقدم.. وفي حالتنا في الأردن فنحن لدينا رؤية واستراتيجية للتنمية ( رؤية الأردن أولاً ) تحتاج إلى تطوير لزيادة فعاليتها مع العمل سريعاً وبحرفية على اسقاط أهدافها الاستراتيجية على مستوى الوزارات لتكون لكل وزارة أهدافها وخطتها الاستراتيجية المتوائمة مع خطة الحكومة والمملكة ككل والتي ينبغي تنفيذها من قبل أي وزير يتولى هذه الوزارة أو تلك حيث يكون في هذه الحالة مطلوب منه فقط الابتكار والابداع في سبل وأدوات التنفيذ لهذه الأهداف المحددة لوزارته مع العمل على إمكانية إعادة ضبطها عند التحديثات الدورية للأهداف والخطط بالتنسيق مع باقي الجهات المعنية بالحكومة..وبالتالي إذا حدث ذلك فلن نسمع التساؤل الذي يتردد كثيرا مع مجيء كل وزير في أين هي رؤيته وخطته؟ وللأسف فإن الموقف الحالي هو أن معظم الوزارات تعمل بلا خطط استراتيجية محددة ومعلنة والقليل منها لديه خطته البعيدة عن هذه الاستراتيجية المعلنة للحكومة والمملكة؟
ثانياً : مراجعة وتطوير الهيكل الوزاري الحالي للحكومة الذي يضم ( 31 ) وزيرا ! وهو عدد ربما يتجاوز ضعف عدد الوزارات في دول كثيرة متقدمة فكيف الحال بدولة مثل الأردن تعاني اقتصادياً وتحتاج إلى التقشف وضغط المصروفات وتقليص الميزانيات! بالاضافة إلى كونه أمر يعوق بالتأكيد منظومة العمل كفريق متكامل يحتاج التركيز كي ينجز .. كما وأنه يضع أعباء على قائد هذا الفريق ( رئيس الوزراء ) في قدرته على إيجاد التناغم في التنسيق والتواصل وفاعلية القيادة واتخاذ القرار ..فلماذا لا يتم النظر في جدوي وفاعلية بعض الوزارات مع كل التقدير والاحترام للقائمين عليها فالرأي هو عن المبدأ والمفهوم من منظور الادارة الحديثة على أن يتم إتخاذ ما يلزم نحوها إما بالضم لوزارات أخرى أو تحويلها إلى كيانات تنظيمية أخرى ..وهو ما ينطبق أيضا على وحدات حكومية أخرى مثل الأجهزة المركزية ..بل حتى المسميات لبعض الوزارات والأجهزة الحكومية تحتاج أيضا إلى إعادة النظر لتتواءم بشكل أفضل مع وظيفتها ومهمتها ..ومن الأمثلة على ذلك الآتي :
1- وزارة الشؤون السياسية والبرلمانية ..لماذا هي وزارة ؟ ولما لا يكتفي بوجود أمانة عامة لمجلس النواب؟ أم هي وزارة لها غرض آخر في نفس يعقوب ! قد يكون هو التغلغل الحكومي المؤثر داخل أروقة السلطة التشريعية الرقيبة على الحكومة .. الله أعلم.
2- وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.. لماذا لا يتم دمجها مع وزارة التربية والتعليم في وزارة واحدة تحقيقا لتكاملية العملية التعليمية خاصة مع استقلالية الجامعات حيث أصبح كل رئيس جامعة هو تقريبا الحاكم بأمره في جامعته ولم نشعر بأي تأثير ملموس لسلطة وزير التعليم العالي في أحداث قريبة مرت بالأردن ..وعن دورها في وضع سياسات التعليم العالي فتلك هي مهمة مجلس التعليم العالي في المقام الأول وهيئة الإعتماد الأكاديمي لمؤسسات التعليم العالي الأردنية.
3- وزارة البيئة ..لماذا لا تضاف إليها مهام وزارة المياه والري وتكون بذلك هي "وزارة البيئة والمياه والري".
4- وزارة الدولة للشؤون القانونية ..لماذا لا تعود مرة أخرى إلى مجلس الأمة أو وزارة الشئون السياسية والبرلمانية.
ثالثاً : زيادة الفاعلية في مراقبة الأداء ومكافحة الفساد ..في منظومة متكاملة من خلال تطوير ديوان المحاسبة ( وهو لا يتبع الحكومة ) كجهة واحدة تتسع لجميع آليات ووسائل الحوكمة المؤسسية الرشيدة ( متابعة ورقابة الأداء – مكافحة الفساد – التدقيق الداخلي – المطابقة مع القوانين والتشريعات – إدارة المخاطر ...) وذلك بمسمي " الجهاز المركزي للحوكمة المؤسسية " وتتبعه جميع الجهات الرقابية الأخرى مثل الرقابة الادارية ..وكذلك تتبعه فنياً جميع الوحدات التنظيمية المختصة بالحوكمة داخل الوزارات والهيئات الحكومية.
خلاصة القول .. لزيادة فاعلية وكفاءة الأداء الحكومي فإنني أرى أن تغيير شخص وزير بدلاً من آخر ( حتى لو وجدت معايير واضحة للاختيار ) لن يجدي كثيراً إلا إذا روعيت الثلاث عوامل السابق الإشارة إليها وهي :
1- مراجعة وتطوير التركيب البنائي والهيكل التنظيمي الوزاري الحالي .
2- وجود أهداف إستراتيجية وخطط واضحة لكل وزارة متوائمة تماماً مع استراتيجية ورؤية المملكة المستقبلية.
3- زيادة الفاعلية في مراقبة الأداء ومكافحة الفساد بالتطبيق المحكم لمنظومة الحوكمة المؤسسية .
أرجو أن يكون هذا القول والرأي الذي يحتمل الصواب والخطأ من ناحية محفزاً لأفكار من يصبر مشكوراً على قراءته ليقدم ويأتي بالمزيد... ومن ناحية أخرى خفيفاً على أسماع المسئولين ..قريباً من عقولهم .. لعل وعسى يكون دافعاً لهم للأخذ به أو ببعضه بما يحقق المصلحة لهذا البلد الطيب الأردن الذي نحبه جميعاً..حفظ الله الأردن ورعاه.
أدام الله الأردن عزيزاً قوياً آمناً بهمة أبنائه المخلصين.