فقراء الأردن والتضليل المكشوف
ماهر ابو طير
14-07-2010 04:13 AM
لم يعد الاردن ذاك الاردن الذي عشتم فيه وعرفتموه ، اذ تغير كل شيء ، من القيم الاجتماعية ، الى العادات ، وصولا الى تركيبة الفقر والغنى ، وما بينهما.
الارقام غير الدقيقة التي اعلنت مؤخرا تقول ان عدد الفقراء في الاردن هو781 الف انسان ، وان خط الفقر بشأن الدخل هو 680 دينارا للفرد سنويا ، اي ستة وخمسون دينارا شهريا للفرد ، وهي ارقام تلعب علينا بدلالاتها ، اذ ان عدد الفقراء اكبر بكثير ، كما ان خط الفقر المذكور خادع ومخادع.
الدراسة تقول ان خط الفقر هو ستمائة وثمانون دينارا سنويا ، اي ان المتوسط الشهري هو ستة وخمسون دينارا للفرد ، وهو رقم غير انساني ابدا ، خصوصا ، اننا نعرف ان عشرات الاف المواطنين يتلقون دخول اعلى لكنهم يعيشون حياة فقيرة جدا ، ومن هؤلاء طبقة موظفي الحكومة والمتقاعدين والعمال غير الحرفيين ، يضاف الى ذلك ان عائلات يدخلها الف دينار شهريا ، وتتسول من اجل جمع رسوم ابنها في الجامعة ، او دفع فاتورة ابنتها في المستشفى.
معنى الكلام ان الارقام صماء ، وبلا قلب ، تضع معايير غير صادقة لقياس الفقر ، والفقر اليوم لم يعد يحسب على اساس عدد ارغفة الخبز في البيت ، اذ ان الاسئلة يجب ان تكون حول كلف كل شيء ، وحق الانسان في التعليم والعلاج واللباس والزواج ، وغير ذلك من قضايا.
اذا كانت الارقام تقول ان نسبة الفقر ارتفعت وعدد جيوب الفقر قد زاد ، فان ذلك مرده الى استحالة الادعاء عكس ذلك ، مع اعتبار رفع نسبة الفقر جزئيا مهرباً مناسباً ، من الاعتراف بالارقام الحقيقية للفقر في الاردن ، كما ان الدراسة تعترف ضمنيا بفشل الحكومات في كبح الفقر.
الفساد الاخلاقي بات ينخر شريحة من الفقراء ، ومع الفساد جاءت قلة الدين والشهوات والرغبة بالاستهلاك ، واذا عدنا الى معدلات الجرائم ومواقعها لوجدنا انها تقع بين الفقراء اكثر ، من جرائم القتل الى الزنى مرورا بتعاطي المخدرات والادمان على الكحوليات ، وغير ذلك من قصص.
الفساد لا يأخذنا هنا الى جرح اناس دون اناس ، انما هي الاشارة الى الخراب الاجتماعي الذي يترافق مع الفقر والحاجة ، وهو خراب كلفته تفوق كلفة الجوع.
ليس اشطر من اولئك الذي يخرجون ليقولوا لنا ان فاتورة الخلوي بلغت مليار دولار ، وفاتورة السجائر بلغت مليارا اخر ، وفاتورة السفر بلغت مليارا ثالثا ، للدلالة على ان السيولة متوفرة واننا شعب "عريط" وينفق على كل شيء ، لكنه يقطع يده ويشحذ عليها ، وهي نظرية فارغة حقا ، لا تقف عند حقيقة تقول ان الذين ينفقون اموالهم بيسر هي طبقة واحدة ثرية ومعها بقايا لطبقة متوسطة ، مدعومة من وظائف اقتصادية ، او تحويلات لمغتربين او مشروعات متوسطة ناجحة.
الارقام المعلنة وفقا لمعايير الدراسة غير عادلة ، ولو اجريت الدراسات بمعايير حقيقة لحياة الانسان لوجدنا ان نسبة الفقر أعلى بكثير ، لان هناك عددا كبيرا لا يتلقى معونة من صندوق المعونة الوطنية ، لكنه فقير جدا ، ويشقى طوال الشهر ويعيش حياة قاسية صعبة ، لا تمكنه من رفع دخله ، بأي وسيلة ، وهو فقر مغطى شكلا ، ومن هؤلاء عشرات الاف العاملين في كل مكان.
لو قمنا بتقسيم دخول موظفي الحكومة والمتقاعدين والعاملين في مؤسسات خاصة برواتب دون الثلاثمائة دينار على عدد افراد عائلاتهم ، لاكتشفنا ان متوسط ما ينفقه الفرد لا يتجاوز الخمسة عشر دينارا شهريا في حالات كثيرة ، اي نصف دينار يوميا ، وبهذه الطريقة فان علينا ادخال "مجاميع بشرية" كبيرة الى قائمة من يستحقون مساعدة المعونة الوطنية ، بدلا من الهروب الى قاعدة انهم يشتغلون وليسوا فقراء.
اذا بقي الحال هكذا فلن يأمن الواحد منا على قميصه ، ومن اعتمد هكذا دراسة لو تذكر ايجارات البيوت ، فقط ، لاكتشف ان ارقامه مضللة ، كما ان هكذا ارقام من جهة ثانية تثبت ان عدد الفقراء اعلى بكثير من الاجمالي الذي توصلت اليه الدراسة.
اسوأ انواع التضليل ما كان تضليلا علمياً ، فيما واقع الحال يشي بالعكس.. أليس كذلك؟.
الدستور