تطل علينا الذكرى الخمسون لاستشهاد دولة وصفي التل برصاص الغدر البغيض الذي جعل قلوب الأردنيين ومعهم الاحرار تحترق ألما وحزنا ما زال ماثلا بين الأضلاع وعلى السنة الطاهرين من ابناء هذه الامة الذين يخزنون هذه الشخصية في عقولهم وقلوبهم ويذكرونها في كل جائحة تباغتنا وما أكثرها.
لم يكن وصفي شخصا عاديا تقليديا منذ تفتقت مواهبه في سن مبكرة فكان مسكونا بالهموم العربية وكان حلمه ان يموت وهو يقاتل من أجل فلسطين فالتحق بالكلية العسكرية البريطانية في عام ١٩٤٢ وبعدها التحق بالمكتب العربي في القدس الذي اسسه موسى العلمي ممثل فلسطين في المؤتمر التأسيي لجامعة الدول العربية ووضع تقريرا حول مخاطر الصهيونية واقترح تشكيل قوة فلسطينية تقاوم اليهود.
تطوع للقتال في صفوف جيش الإنقاذ وكلف برئاسة اللواء الرابع وخاض معركة عنيفة عرفت بالشجرة وجرح في ساقه.
رفض التل الهدنة العربية الإسرائيلية والتحق بالجيش السوري ونقل قواته إلى فلسطين الا ان الزعيم السوري حسني الزعيم اعتقله في سجن المزة ثم اطلق سراحه وعاد إلى عمان.
وضع كتاب (دور الخلق والعقل) وارجع اسباب الهزيمة إلى الغوغائية وعدم مصارحة الشعوب وبعدها أصدر صحيفة الهدف في عام ١٩٥٠ ثم عين مديرا للمطبوعات ومديرا للتوجيه الوطني وتولى إدارة الحرب الاعلامية في مواجهة الهجمة الاعلامية الناصرية.
شكل حكومته الأولى في عام1962واجرى مصالحة كبرى مع المعارضة وعفوا عاما عن المعتقلين السياسيين.
وفي حكومته الثانية في عام ١٩٦٥ تفرغ لبحث العلاقة مع منظمة التحرير الفلسطينية وأعلن تعاونه معها على قاعدة سيادة الأردن على شعبه وارضه.
الا ان هناك خلافات حصلت لعدم التزام منظمة التحرير وقيامها بتصرفات تمس سيادة الأردن وانتهت الي صدام مسلح.
وفي عام ١٩٧١ عقد مؤتمر وزراء الدفاع العرب وأصر وصفي على حضوره وكان يحمل ملفا يتضمن تصوره لتحرير فلسطين الا انه جرى اغتياله في الثامن والعشرين من شهر تشرين ثاني. وقد بكته الأمهات قبل الآباء والأبناء وخيم الحزن على قلوب الأردنيين جميعا.
كان وصفي يفكر بطريقة جهرية وكانت عنده المسافة بين الخيانة والتقصير والأهمال قصيرة وكان وطنيا تتنازعه هموم الوطن من أقصاه إلى أقصاه بعد أن تحلى بسعة الصدر والجرأة والتسامح وتغليب مصلحة الوطن.
كان وصفي مستقيما نزيها وكان يكره الفساد والفاسدين وكان حريصا على المال العام ولم يسعى يوما لتحقيق مصالح ذاتية على حساب الوطن كما يفعل بعضهم وعند موته كان مدينا للمؤسسات المالية ولم يبن قصورا ولا احتفظ بثروة في البنوك الأجنبية او المحلية ولم يساوم على مصلحة الوطن.