العشائرية الأردنية .. قدوة محترمة!
أ.د عمر الحضرمي
14-07-2010 03:20 AM
منذ أن دبّت الإحساسات التنظيمية في أوصال الشرق العربي، ومنذ أن بدأت تظهر فكرة الدولة في هذه المنطقة، التي كانت قطب الرحى في وسط الاستعدادات العربية المشتركة لبناء إقليم ظهرت فيه الدعوة إلى بناء عالم عربي، منذ ذلك الوقت، ونحن في الأردن، نعتمد الفكر السياسي القائم على السعي نحو الأخذ بالحداثة مع الالتزام بالموروث المقدّس؛ الديني منه والاجتماعي. واستطعنا، بعد أن توافقنا على الرضا بالقيادة الهاشمية، أن ندير في أذهاننا صورة «الدولة» التي بناها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم في المدينة المنوّرة، وأفدنا من تلك العبقرية التي حاكت خيوطها السماء، وحياً وتوجيهاً واختياراً.
في كل جوانب دولة المدينة المنوّرة الطاهرة، كان الاعتماد على كل مكوّنات المجتمع دون الاستهانة أو الاستبعاد أو الإقصاء لأي من المفاهيم الراشدة. وكان من بين ذلك اغتنام مبادئ العشيرة وقيمها، وتوظيفها في خدمة المجتمع، سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وتربوياً وثقافياً.
لقد أحسنّا، نحن في الأردن، قراءة الحرف، فتربت «عشيرتنا» على أن قيمة الفرد الصالح لا تكون إلا إذا التزم الإخلاص والوفاء وحسن الانتماء. فبنينا قضاءً عشائرياً مثّل رافعة قوية لفض كثير من النزاعات والخلافات. وعظّمْنا الإيجابيات التي كانت بلا حدود، وصَدْقنا مع ذواتنا، فأنشأنا أجيالاً صالحة ملأتها الرجولة والاستقامة، فجاءت عناوين حياتها قائمة على التفاني في سبيل المجموع، والقتال في سبيل الحريّة والكرامة.
في يوم، كنت ومجموعة من الإخوان، نجلس مع فيصل الفايز في بداية شبابه، فأساء أحد الجالسين الأدب معه ، فلم يجبه فيصل ، ولم يواجه السيّئة بالسيئة. وكل ما فعله أن ابتسم وأدار وجهه إلى الجهة الأخرى. وبعد أن انفضّ المجلس، سألته لِمَ لَمْ يرد الإساءة، فقال كلمة لا تزال ترن في السمع، مؤداها؛ أني لو رددت عليه لربما دخلت معه في إشكال تقولون معه أن «ابن الفايز» استغل اسم عشيرته ليستقوي بها على الرجل. ولربما مرّ زمن يُقال فيه أن واحداً من عشيرة «الفايز» عمل كذا وكذا، فآثرت أن أتحمل الإساءة على أن أمسّ اسم عائلتي بسوء.
هكذا نحن نفهم العشيرة، غيرة على سمعة القبيلة وبالتالي غيرة على اسم البلد. العشيرة في الأردن قدوة محترمة، استطاعت أن تبني أُسساً طيبة لمجتمع طيّب. لأننا علمنا وآمنّا أن اعتزاز سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بأنه من قريش، ما هو إلا نداء جاء من جوف السماء دلّنا على الطريق الصحيح للعيش الشريف.
إن فهمنا «للعشيرة» قد ارتكز على أنها منطلق للشهامة والرجولة، لا تشوبها شائبة، ولا يُعكّرها نفاق أو رياء أو استقواء للظلم والإجحاف. وإن أساء فرد منها فهو منبوذ ومحتقر في كل المقاييس. وإن من تلفظه العشيرة يفقد، بالضرورة، كل أسباب البقاء.
الراي.