خمسون عاما يا وصفي، ونحن نحتفي بك، خمسون ولم يخبو الشوق لوجهك، خمسون عاما وما زالت إبتسامتك تفرح قلوبنا، وأنت تلّوح بيدك لنا مودعا، رأسك عاليا يلامس الغيم، ويديك تهطلان مطرا.. وحمام يرفّ فوق طائرتك أنّك ستحلّق عاليا شاهقا..
خمسون عاما؛ وصورتكَ معلّقة بالمضافات، وكيف تحوّل وجهك ذات مساء تشريني إلى قمر يضيء على القرى والبوادي.. حتى شمغ الرجال فاضت بالدمع، ولوّحت الأردنيات لجسدك المسجى بالزغاريد وبقلب مجروح كان صوتهن: قولوا لوصفي زعلن عليك خيّاتك..
يا وصفي.. خمسون عاما وزيتك مضيء في بلادنا، كفّاك يابن عمي ويا ابن دمي تعطرت بمروج القمح، وبريحان الأمهات، وبنعناع الشبابيك، وبزيتون الحواكير، تطلّ على الحصادين، وتقول لمن جاؤوا بعدك وتنادي: منجلي وا منجلاه..
يا وصفي التل، نجتّر حزننا كل عام، نلطم صدورنا أنك حميتنا ولم نحميك، كنت واضحا مثل قصيدة ندية، ولكننا لم نفهمك.. بنيت لنا أول جامعة وأول جريدة وأول تلفزيون، وأول درب لوطن حر مستقل.. كنت أول جيش المقاومة على ثرى فلسطين، فخذلناك، كنت المعركة وكنت القائد وكنت الشهيد..
خمسون عاما يا سيّد الشهداء، ويا أول الواصلين لسدرة الوطنية الصادقة، لم تختبئ وراء أحد، شجاعا عندما تهتز السيوف والشوارب، الأردن والهوية وفلسطين لا يتقدم عليهم أحد، وعندما حانت ساعة اللقاء مع الموت، قلت: يا مرحبا… هم جبناء من ضغطوا على الزناد، ولكنهم لم يدركوا أنهم خلدوا قائدا وزعيما ومنهاجا، فسلام على وجهك النديّ الرضيّ، وسلام على دمك الذي ما زال يحيا فينا، سلام على دمع البنات إذ شابت الجدائل وحبّك لم يشبْ..