سياق سياسي لإعلان "المياه مقابل الطاقة"
محمود الريماوي
27-11-2021 06:46 PM
يمكن النظر من خلال منظورين الى "إعلان النوايا" الموقّع بين الأردن واسرائيل في دبي 22 نوفمبر الجاري بمشاركة دولة الإمارات ورعاية الولايات المتحدة والذي بات معروفا باسم "المياه مقابل الطاقة".
المنظور الأول اجرائي قانوني يضع هذا الإعلان في سياق تفعيل معاهدة السلام الأردنية الاسرائيلية الموقعّة في العام 1994، والتي تنص في الفقرة الثالثة من المادة السادسة التي تحمل عنوان المياه، على: "يعترف الطرفان بان مواردهما المائية غير كافية للإيفاء باحتياجاتهما الأمر الذي يتوجب من خلاله تجهيز كميات إضافية بغية استخدامها وذلك عبر وسائل وطرق مختلفة بما فيها مشاريع التعاون على الصعيدين الإقليمي والدول". بينما تنص الفقرة الأولى من المادة 19 التي تحمل عنوان: الطاقة على: "سيتعاون الطرفان في تنمية موارد الطاقة بما في ذلك تنمية المشاريع ذات العلاقة بالطاقة كاستغلال الطاقة الشمسية".
وفي هذا يحاجج مؤيدو إعلان النوايا بأن هناك حالة سلام متعاقد عليها بين الجانبين الأردني والاسرائيلي، وان الجديد في الأمر هو انه يتم اللجوء الى تفعيل بنود في المعاهدة تحت ضغط الحاجة الى المياه مع النمو المطرد في عدد السكان (ارتفع من 6 ملايين في العام 2010 الى اقل بقليل من 11 مليون نسمة في العام 2021) وفي مجالات استخدام المياه للزراعة والصناعة، مع بقاء موارده من المياه على ما هي عليه تقريبا وجزء منها يحصل عليه الاردن من اسرائيل بموجب الاتفاقية (55 مليون مترمكعب سنويا مقابل سنت اميركي للمتر المكعب). وقد قام الأردن في اكتوبر الماضي بشراء 50 مليون مترمكعب من اسرائيل من مياه بحيرة طبريا، لسد احتياجاته المائية المتزايدة.
المشروع الذي كشف عنه اعلان النوايا الجديد يقضي بأن تزود اسرائيل الاردن بـ 200 مليون مترمكعب من المياه مقابل تزويدها بالطاقة المتجددة الكهربائية، وذلك عبر مزارع خاصة في صحراء جنوب الاردن تتولى الإمارات اقامتها، مقابل ان تنال شركتان اماراتيتان تنفذا المشروع نصف الأرباح المتأتية عن المشروع فيما يذهب النصف الثاني الى الاردن (قدّرت هذه الأرباح بنصف مليار دولار سنويا). وبينما يقول متحدث باسم وزارة المياه والري الأردنية (عمر سلامة) إن الأردن "لم يوقع على اتفاقية مفصلة ومحددة، إنما تم التوقيع على إعلان نوايا يسمح باجراء دراسات جدوى حول مشروع جر مياه محلاة للأردن من إسرائيل، مقابل الطاقة".
ومن الواضح رغم ذلك ان دراسات تمهيدية قد جرت مسبقاً وتمخض عنها اعلان النوايا هذا.
هناك بالفعل مشكلة مياه في الاردن تجعله في المركز الثاني بين أفقر دول العالم مائيا، وكان يمكن لهذه المشكلة ان تكون اكبر من ذلك، لو أن الاردن مُصنّف كدولة صناعية تشهد توسعا صناعيا مطردا. ومع هذا فإن الأردن نجح على مدار عقود في ادارة ملف المياه على درجة من الكفاءة، جعلته يوفر مياه الشرب للمواطنين والسكان ولأغراض الزراعة والصناعة والتوسع العمراني والخدمات، بغير انقطاع ومن دون توقف يًذكر.
اما ملف المياه مع الاحتلال الاسرائيلي فمتشعب ويعود الى مطلع ستينيات القرن الماضي مع بدء تل ابيب بتحويل مياه نهر الاردن الى بحيرة طبريا، فيما اقامت بعدئذ عددا من السدود على عدد من الأودية التي تصب في وادي الرقاد، وهو رافد اساسي لنهر اليرموك وبسعة تخزينية تصل الى 15 مليون مترمكعب. وهو ما يُحتسب انتقاصا من حصة الاردن من النهر الذي يقع معظمه بطول 47 كم في الأراضي السورية من جملة 57 كم هي طول النهر وقد اقامت عليه السلطات هناك 37 سداً.
وتسود شكوك عميقة في الأوساط الشعبية الأردنية بنوايا الاحتلال المائية، ويجري التذكير بما جرى عام 1998 حيث اثارت حادثة تلوث المياه الواصلة من إسرائيل للعاصمة الأردنية عمان نقمة شعبية على حكومة عبد السلام المجالي، التي اضطرت للاستقالة انذاك. فيما تتواتر تقارير عن قيام سلطات الاحتلال تصريف المياه العاددمة الخارجة من المصانع الاسرائيلية في مجرى نهر الاردن وهو ما كان محل احتجاجات اردنية، وهذا ما يقود الى المنظور الثاني الذي يمكن من خلاله النظر الى اعلان النوايا في دبي. اذ ان هذا الإعلان اذ يشكل تفعيلا لبنود في معاهدة السلام، الا انه يفصل بين السياسة والاقتصاد. اذ شهدت حالة السلام بين الجانبين برودا واحيانا توترا خلال السنوات العشر الماضية، على خلفية تنصل حكومات اليمين الاسرائيلي من موجبات السلام الشامل. وقد جرى تتويج الموقف الأردني الناقد للسلوك الاسرائيلي برفض الانضمام الى صفقة ترامب نتنياهو التي عُرفت بصفقة القرن، والتي سعت الى تسويق سلام اقتصادي عربي اسرائيلي، مع تفريغ الحق الفلسطيني في الارض من محتواه. وهنا يتركز نقد معارضة اعلان النوايا بكونه يمثل قبولاً بمخرجات صفقة القرن لناحية الاندفاع الى سلام اقتصادي مع دولة الاحتلال في ظروف تجميد الجهود لحل سياسي للقضية الفلسطينية. وهو ما يتحدث به مسؤولون اسرائيليون جهاراً نهاراً وفي مقدمهم رئيس حكومة الاحتلال نفتالي بينيت برفضهم الخوض في مباحثات سياسية مع الجانب الفلسطيني، واكتفائهم من طرف واحد بتفاهمات ذات طابع أمني واقتصادي.
وأبعد من ذلك فإن المشروع الذي يكمن خلف إعلان النوايا هذا وما يشابه من اعلانات واتفاقيات، يتمثل بدمج الاحتلال الاسرائيلي في المنطقة العربية، ونزع المضمون السلبي لهذه الدولة المارقة، وتصويرها على أن وجودها مُفيد للغير، مع تكريس الاعتماد عليها في مجالات حيوية واستراتيجية إذ سبق ان وقّع الاردن على اتفاقية لتزويده بالغاز لفترة 15 عاما مع شركتين أميركيتين ولصالح جهات اسرائيلية مقابل 15 مليار دولار. وعليه يصبح الأردن يعتمد على دولة الاحتلال لتزويده بالغاز والماء معاً وهما سلعتان حيويتان استراتيجيتان، اذ أن المياه على سبيل المثال أشد أهمية له من أهمية الكهرباء لدولة الاحتلال. ومغزى ذلك ان الأردن قد يصبح مستقبلاً عُرضة للابتزاز السياسي وغيره، في أشد حاجاته حيوية واستدامة وهو ما كان يتطلب وضع استراتيجيات مختلفة تنأى بهذا البلد عن الاعتماد على الطرف الاسرائيلي، هذا من دون التقليل من تأثير الضغوط الاميركية بهذا الاتجاه، فالأردنيون لا يتطلعون سوى الى اقامة سلام جدّي وفق القرارات الدولية مع الدولة العبرية، وبما يكفل اقامة سلام شامل تنعم به شعوب المنطقة ودولها على السواء.
العربي الجديد