يروي كثير من القراء أنهم بقدر مايجذبهم قلم هذا الكاتب ويتابعونه بشغف، بقدر ما يفاجأون بعدم اكتراثه التواصل مع قرائه خاصة أنه قد وضع بريده الالكتروني أسفل مقالته، ما يعني أنه التزم أدبيا بإجابة كل رسالة ترد إليه.
قبل عامين أرسلت إلى رئيس تحرير جريدة عربية تحظى بتأثير بالغ وأهمية كبيرة، أبلغته بملاحظة حول نسخة الجريدة الالكترونية، وكنت على قناعة أنه، لكثرة مشاغله التي أقدرها، سيعير الرسالة اهتماما ً بأضعف الإيمان، وقبل أن يكتمل سوء ظني وجدت رده يحمل باقة من الشكر بكل تواضع ووعدا بمتابعة الموضوع، وهذا ماحصل فعلاً. وفي أحد الأيام فوجئت بأن كاتبا عربيا كبيرا أفرد مقالة كاملة لمناقشة رد قدمته أسفل مقالته وذلك دون سابق معرفة بيننا.
ولا أذكر مرة أنني أرسلت إلى الدكتور فهد الفانك باستفسار أو رأي دون أن يجب برد متواضع دون إهمال أو تعالٍ. وفي الصيف الماضي كتبت إلى المبدع ابراهيم جابر ابراهيم اسأله ، ثم انفرط الوقت ونسيت تماما أنه لم يجب، لأفاجأ بعد عدة أشهر برسالة منه عنوانها (اعتذار) تحمل أدبا جما وفكرا راقيا واعتذارا ً مبررا ً عن التأخر في الرد. أما الساخر المذهل أحمد حسن الزعبي فهو بحد ذاته بيت خبرة في احترام القارئ بكل أريحية وطيب نفس. وهنالك أمثلة كثيرة في تواضع الكبار كأستاذنا الكبير خالد المحادين الذي يمنح خلاصة تجاربه للجميع دون استثناء كما يمنح الآباء لأبنائهم. أسماء كثيرة ومواقف لن تتسع المقالة لسردها مما يقدمه الكبار في قيمتهم وقيمهم من اعتبارات للغير تعكس نجاحا ً وثقة في النفس ونضج في التفكير.
يقول أحد الأصدقاء أنه كان من أكثر المهتمين بمتابعة كل إصدار للكاتب والأديب الفلاني على مدى سنوات طويلة ، وملاحقة كل تصريح أو رأي له في أي مكان، إلى أن قابله يوما ً وجها لوجه فاصطدم بتلك العجرفة الاستثنائية وأحسّ في اللحظة ذاتها أن وقته في متابعة كاتبه المفضل قد وئد عبثا ! .
عندما يمنح القارئ ثقته إلى الكاتب فإنه يمنح شيئا غاليا ونادرا هذه الأيام، ومن حق القارئ أن يحترم الكاتب وقته ، فالقارئ في النهاية يملك وقتا محدودا يهدي منه جزءا لقراءة ماتفضلت به الصحف، واذا كان المال هو رأسمال التاجر فإن القارئ هو رأسمال (الكاتب) ووحده القادر على منحه مشروعية هذا اللقب مهما امتلك الكاتب من موهبة ومهما فعل.
لم تكن الفوقية سببا لرفعة الشأن يوما ً، إن العمود الصحفي الذي يطل منه الكاتب هو بيته الذي يستضيف فيه الزوار، إذ عليه أن يفتح قلبه ليغرف الزائرون منه. القارئ ذكي، لكنه لا يغفر النفاق والكذب.. والإهمال.
ranaframe@yahoo.com
الراي.