ما بين متحوراته الجديدة الأكثر فتكا، إلى دخول دول العالم في موجات جديدة للوباء، يكون وحش فيروس كورونا، الذي أرعب وأرهب العالم، وما يزال، منذ نحو عامين، واعتقد الكثيرون أننا انتصرنا عليه، قد نهض مجددا، وكأن أنظمته تتبع نسقا ذكيا دقيقا في إعادة التشكل والتموضع وضرب البشرية من زوايا عديدة. إنه مقاتل شرس يسكن أحيانا حتى نعتقد أنه احتضر، وما يلبث أن يباغت ويبدأ بالمناورة من جديد، مرهقا العباد وحاصدا للأرواح.
يصلح الأمر فعلا كسيناريو لأحد أفلام هوليوود الخيالية نشاهده خلال عطلة نهاية الأسبوع، لكنه ليس بهذه البساطة، أو الأصح السذاجة.
فهو واقع مرير غير وجه البشرية إلى الأبد. ولعل كلمة كورونا أضحت الأكثر انتشارا على ألسنة البشر، سواسية في كل بقاع العالم من أغنى الأغنياء إلى أفقر الفقراء. وهي الكلمة التي تحمل في طياتها المعاناة والموت للبشر، والخراب والدمار للاقتصاد ولنعم الحياة كما نعرفها.
وفي الحديث عن الفصل الجديد في معركة البقاء، تفيد التقارير العالمية بدخول دول العالم، وحسب التسلسل الزمني لكل منها، موجات ثالثة ورابعة وخامسة، وبداية تعاملها مع متحورات جديدة، خصوصا ما بات يعرف بالمتحور الجنوب إفريقي، والذي يعتقد العلماء أنه أشد فتكا من السلالات السابقة. أضف إلى أن هناك تحذيرات غير مؤكدة من أن المتحور الإفريقي قد ينجح في الالتفاف على أجزاء من جهاز المناعة لدى البشر، وذلك بحسب البروفيسور ريتشارد ليسيلز، من جامعة كوازولو ناتال في جنوب إفريقيا.
الأمر يدعو للقلق، فها هي منظمة الصحة العالمية تعقد أمس اجتماعا طارئا لتقييم مدى خطورة متحور كورونا الجديد، وما بات يعرف باسم (B.1.1.529)، “والذي يحتوي على عشرات الطفرات غير العادية”، ولا نعلم حتى اللحظة مدى فاعلية اللقاحات الحالية في التصدي له، إلا أن أحد شروره، رغم كونه في أيامه الأولى، وبحسب السلطات الصحية في جنوب أفريقيا، “أنه شديد العدوى بين الشباب”. هذا إضافة إلى أن من أوائل مصائبه ضرب أسعار النفط وأسواق الأسهم خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية.
وإذا ما نظرنا إلى دولة بحجم تطور ألمانيا صحيا واقتصاديا، فها هي تسجل إصابات قياسية متسارعة بكورونا، وها هي المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، تطالب بإجراءات وقائية أشد في مختلف عموم بلادها، خصوصا بعد ما باتت أوروبا البؤرة العالمية الجديدة للوباء، وقد اضطرت العديد من دولها وقف رحلاتها الجوية إلى جنوب إفريقيا.
وإذا ما نظرنا إلى كل ما تقدم، فما علينا فعله يكمن، وبشكل مختصر، في تعزيز حملات التطعيم، ولدينا الآن وما يكفي ويزيد، ولله الحمد، من المطاعيم، وتشديد حملات الرقابة والالتزام بالكمامة وإجراءات التباعد الاجتماعي، والأهم استثمار عامل الوقت في تعزيز البنية الصحية، والتي راكم القائمون عليها دراية علمية ولوجستية متقدمة في ذلك.
الجيد في الأمر، بالمجمل، أن البشرية تمتلك قدرات أعلى وخبرة أكبر في التعامل مع وحش كورونا العنيد، إلا أن النجاح في الحرب الضروس ضده يكمن في إدراكنا جميعا أننا في الهم واحد، وبالتالي علينا العمل بعقل وقلب إنسان واحد لننتصر، خصوصا أن الشهرين المقبلين، ووفق المركز الأوروبي للسيطرة على الأمراض، قد يكونان الأصعب في التعامل مع الموجات والمتحورات الجديدة لعدو البشرية جمعاء.
لنكن على يقين أننا سننجح، كما نجحنا من قبل. ولنتذكر قول الفيلسوف البريطاني بيرتراند راسل: “الشيء الوحيد القادر على إنقاذ البشرية هو التعاون”. ليكن هذا نهجنا ضد كورونا، فالوضع عالميا يدعو فعلا إلى ضرورة الحيطة والحذر، ولا مجال لعقلية اللامبالاة والتقاعس من جديد.
(الغد)