سكجها يدفن ويرثي صديقاً في حياته
باسم سكجها
26-11-2021 06:59 PM
كان عندي صديق، بمثابة أخ، وتواعدنا على أن يدفنني أو أدفنه، وكان هو الأكثر إلحاحاً على مسألة الدفن، على أساس أنه الأقرب إلى الموت لسبب يعتقده، ولكنّ القول الكريم صرخ في وجهنا جميعاً: وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت.
ولكنّ الموت استعجله، فها أنا أرثيه بعد أن دفنته، وهو ما زال حياً يٌرزق، لأنه لم يعد صديقاً، وبالضرورة فهو الآن ليس أخي الذي لم تلده أمي، بل تفجّرت فجأة عيون الشرّ في عينيه، وبدا وكأنه الشيطان في تفاصيل وجهه، وتضاريس جسده، حتى أنني ظننته يتحدث إلى نفسه.
يقول كثيرون إن الناس أجناس، ويقول بعضهم إن الناس أنجاس، وقال جبران خليل جبران: (إنما الناس سطور كُتبت لكنْ بماء)، وغنّنتها الرائعة فيروز، ولعلّ جبران كان يقصد ذلك الماء الذي كُتبت به تفاصيل حياة قضيتها مع ذلك الذي دفنته، دون أسف، ولو قليل، وهو ما زال على قيد حياته، فله طول العُمر والبقاء، ولكن بعيداً عني.
دفنته حيّاً، ولا أريد منه أن يضعني في التراب، فقد خان الوعد، والعهد، ونفسه، وتغيّر، وتحوّل، وتلوّن كما أية حرباء، مع شيطانية الدنيا التي باتت تلعب بعقول البشر، وتأخذهم لها، وإليها.
كُلنا عرفنا الحب، والصداقة، والاخوة، والاكثرية منا من خذلهم هذا المثلث، ولست أعمم فسيظل في الدنيا خير كثير، ولكن الكآبة غلبت الكتابة هذه المرة، ولن يبقى من قول هنا سوى أجمل القول: (إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم) وأكاد أزيد: فسعوهم بأخلاقكم عشرات المرات…
(نصّ قصير ، من رواية قيد الكتابة)