قصص قصيرة: ظلال الأزرق .. غياب البريد
حسين دعسة
26-11-2021 02:56 PM
اعانني الله، أشعر بثقل ثالوث الشتاء، عاد ابي المختار الكبير، يراودني عن الذي يأتي..!
معقول المختار، يسرح في هذه الليلة، يعشش في مخيلة. النيام، باحثا الرجل الموعود.
رأيته في الحلم، كنت اول من نام بعد صلاة الفجر، أصابهم صحوة، انتظروا تلك الاخبار عن هطل للثلوج.
نمت، جاءتني مخاضة النهر، تغور فيها الأمطار، تجري، تعج بما حملته من خيام النازحين، عصى، مناديل ملونة، قصعات طعام الإعاشة، بقايا كونكريت واخشاب، قطط هائمة، صنادل وأثواب مثيرة، هجم السيل، نال من خيام ضعيفة، شتت الشتات،..وتناوبت زوابع الهرج والمرج، جنيات تعيث فسادا منها تلك التي تلبس اللون الترابي من شوادر الانورا، تخلعها من اطراف الخيام والمعرشات، تخيطها بخيوط من سم الافاعي، تلضم أطرافها بالحناء والزيت والدقيق.
لبست امهات الجن شوادرها وجالت وست المخيم.
تفرقت الخيام، ومات أصحابها بين قهر وضعف حملتهم مياه تهدر، كانت صرخات الجنيات ترعب الغيم الذي رقت هطول امطاره.
المختار، نهرني، قال لي ما انت؟
حيوان..؟
...من لليتامى، للنازحين، للذين تشردوا..
فهمت، على نوم ثقيل، ان مصيبة حدثت، كان بيتنا، منزل العائلة يطل على أطراف المخيم، حاكورة، وحجر أسس له المختار مع عمال في النجارة والقصارة والمحارة والترميم، جلبهم من العريش، من أولاد، وانسباء اخوال أمي.
ثالوث الشتاء ضرب، نال من الخيام.. تشردت الناس، الثلج يزئر بين ما تبقى من الأنفاس، شاورت امي، قالت، ادخلهم البيت والحاكورة، انصبوا الخيام بين شجر البيارة، لبست عباءة المرحوم، حملت عصاه المختومة، المزينة بدبابيس من الذهب، سعت في أرض شتات المخيم. وصلت المياه الجارة اطراف ثوبها، صعقها ان السيل جرف الاطفال والزغاليل والارانب وخزين الدقيق والزيت.
..لم يكن ابي المختار لوحده عندما تجسد لي في ساعة الحلم، لم تكن ساعته التي كان يرانا بها، نبهني، لكزني ونادى بصوت مخنوق:
- عليك بستر الناس.عليك بستر الناس..غاب لحظة وضربني بالعصا التي حملتها امي، تلتقط هموم الناس، لان العصا تعني الامان لمن أحب المختار، الذي دافع عن حق النازحين في الاستقرار، بعد ما شردهم من بطش الصهاينة.
كنت قبل الحلم، اتراسل مع الازرق، اترقب العصابة الجميلة، انتظر تشراقة سيدة الروح، لتنام على يدي، لنغني معا، كنت اخاف ان يغيب طيفها مع سقوط الثلج، كتبت لها عبر الازرق:، أريد ان يهبني ظلالها حيوية الدخول من جديد الى زمن المخيم، للوقوف مع امي..فما كان من ظلي الا ان قال:
-صباح الدردشة،–احسست بأنفاسها اقرب..(...) صباح الحب وتعبه.
..وقلبت أمري وتاهت بوصلتي(...) صباح الألم، لما احس ان صوتي مش قادر يطلع، قبل ما يسمع صوتك.
غاب كل شيء،لم اعد اتذكر الحلم. فقد اي, ناديت، دخلت الازرق وكتبت على خوف:
-يا هلااااا
- أهلا يا باشا.
- حكى الماسنجر.. ولا ما حكى.
- لسه بدون مكالمات؟
-.. يا قلبي.
رأيت العصا يسحبها السيل، تضربها اشتات الماء المجبون بالطين وقطع الملابس والاحذية و الدموع.
هجمت التقط العصا، التقطتها جنية المساء وراودتني على كل النهايات، قلت وامي، قالت هي في البيت..
-.. حقا، الصوت، صوت حبيبي حرير الروح، جنة.
تاه الازرق، بانت الجنية كأنها تشير الى نهاية الحكاية:
- هل أحسست بالفضاء الّذي يملأه ويحيطه صوتك، إذا خرج من قلبك، نفسك، روحك؟
كنت اجرجر كلامي مع حرير، تنال مني تلك الجنية الغريبة وتقول ان العصا لمن لا يعصاني.
.-.. لهذا بوصلتي تاهت.. أعيدي لي جنتي، قوتي،ارادتي يا حرير الروح!
قم وتناول العصا.
من الذي يأمرني؟
- صباح الهنا..انا حرير،لقد قتلت الجنية، لدي اسراري التي علمني اياها العطار الشيخ العجل؟
صرخت: كيف ذلك؟
ذكرتني ان نهاية حلمي، كنت اراها في حوش الدار،ولكي تذهب معي لننام في استديو الإذاعة، لكي توشوش لي عن مختبر السرديات، لانني عندما غاب صوت الازرق اصابتني حمى الزهايمر.
..نام الناس،غطت عيونهم الآلام، انتظارا لصباح أمي صاحبة المنزل.
- عندما كلمتني حرير الروح، سألتني عن الذي كتب قصة:(«باربي» عجوز في الـ62 من العمر.. بهجة المزيد من الأحلام)،قلت لها ابي المختار.
- كيف ذلك؟
- نالت منه الجنية وعرفت سر اللعبة التي لا تفارق يده.
-صباحك نور وزهور
(الرأي)