الحب، ليس غير الحب أقدر على توسعة مساحة الأوطان. الحب قائد فذ، قوي، مهيب، عنيد، عتيد. يوسع صدر الأخ لأخيه، والأب لأبيه، وبنيه.
هل تعتقدون أن أحرف النون والباء والياء جاءت مصادفة في مفردة «نبي». ولماذا استخدمت الأحرف الثلاثة نفسها في صناعة «بَني»، و«بُنَي»، وكيف أضيفت الهاء لتكوين كلمة «نبيه»، و«بَنيه»، وكيف أضيفت ياء ثانية لمفردة «يَبنيه».
أي علاقة هذه بين الباء والنون والياء. أي قداسة لتلك الأحرف الثلاثة التي استخدمت للدلالة على عامل الوحي، لتصبح «النُّبوّة» شقيقة البُنوّة. إنه اصطفاء إلهي للأحرف، فكانت «الأنبياء» واحدة من السور الكريمة لكتاب الله الكريم. إنه معنى من معاني التوسط بين العبد وربه. اصطفاء ملك أوحي إليه وحياً خاصاً. مبعوث. مرسول حب. والحب ما «نبا». بقيت النون وظلت الباء، وكانت الألف سيفاً حارساً منتصباً، وظلت العصا.
الحب سلطان. ليس النوم. النوم سلطان أخرس. الحب له لسان، ويد، وذراع، وروح، وشفتان. الحب يسير. ييسُّر العسير. يغيث الملهوف. يوسع مساحة الدار لمستجير. والحب وحده هو الذي يجلي القلوب. يقرب البعيد. وليس مصادفة أيضاً أن تكون حركة واحدة هي ما يفرِق بين «الحُبِّ»، و«الحَبِّ»، فكلاهما عطاء، وكلاهما زرع الله في أرضه. أليست هي الرحمة بسقفها الشمولي الذي منحنا الله بعضاً منه. بعضاً من رحمته التي وسعت السماوات والأرض، حتى نتراحم. الحب - كما قلت - قائد كبير، قال جبران إنه يوجّه المسارات، وهو كلمة من نور، خطّتها يد من نور، على صفحة من نور. الحب والموت فقط هما القادران على تغيير كل شيء. و«ليحب أحدكما الآخر، ولكن لا تجعلا من الحبّ قيداً، بل اجعلاه بحراً متدفقاً بين شواطئ أرواحكما». هذا لمن يمتلك بحراً، ورحم الله جبران.
(الدستور)