25 عاماً من الكتابة الصحفيّة
الاب رفعت بدر
25-11-2021 12:07 AM
احتفلت العام الماضي بالذكرى السنوية الخامسة والعشرين لسيامتي الكهنوتيّة، في البطريركية اللاتينية، وها أنا هذا العام، وتحديداً في 26 تشرين ثاني، أُحيي مرور 25 عاماً من الكتابة الصحفية، وتحديداً في جريدة الرأي الأردنيّة الغراء، حيث نشرت أول مقال فيها عام 1996 في مثل هذا اليوم المذكور، رغم أني كنت أكتب قبل ذلك أحيانًا في صحيفة «القدس» وفي مجلتَي صوت «الأرض المقدسة» و"الكلمة». لكنّ للرأي مذاقا آخر.
نشرت مقالي الأول بعنوان «ولدتُ لأقتل» Born to kill وكان تعليقاً على شعار غير إنساني طبعه جندي إسرائيلي على بزته العسكريّة، فكان مستفزاً لدرجة أنه حثّني على التعبير عن السخط كتابة، فانطلق مشواري في الرأي. وها أنا بعد ربع قرن، أنظر إلى الوراء شاكرًا الرَّب العليّ القدير على هذه المسيرة الشيقة، وإن كانت شاقة. فالكتابة الصحفية ليست سهلة، لكنها قد تكون جزءًا من «وظيفة» إنسان أو مهنته اليوميّة، أمّا أنا ككاهن يكتب فهو أمر قد يبدو ليس جزءاً من رسالتي الأصليّة، ولكنه بنفس الوقت ليس إضافة لا معنى لها، وليس ترفاً، بل هو تكامليّ في إعطاء نظرة مختلفة أحياناً حول شؤون الدنيا وأحوالها ومنعطفاتها وتحدياتها وفيروساتها وجرعات التطعيم فيها، كما هو جيد لايضاح دور الدين الايجابي في شؤون العالم.
لم أتحزّب طوال 25 عاماً، في عملي الصحفي الذي تطوّر مع «موقع أبونا» وإدارة المركز الكاثوليكي للاعلام، ولم أحسب على أحد، ولم يجذبني أصحاب الكراسي، لا إلى أموالهم ولا خزائنهم ولا مطابخهم، رغم احترامي الشديد لأدوارهم. فبقيت والحمد لله أميناً لكهنوتي ولوطني ولمسيحيّتي العربيّة، وولائي لقيادتي الهاشميّة، وانتمائي لكلّ ذرة تراب في هذا الوطن. ولم أتقاض قرشاً عن أي مقال، وذلك بطلب مني من أول يوم لي في الرأي. وقد كانت أول زيارة لدار الرأي عام 1996 برفقة الكاتب هشام عزيزات، في زمن الأستاذ رئيس التحرير سليمان القضاة، وبعدها «ضربت صحبة» مع كل رؤساء التحرير: عبد الوهاب الزغيلات وجورج حواتمة وسميح المعايطة ومجيد عصفور وسمير الحياري وطارق المومني وراكان السعايدة وخالد الشقران. كما تصادقت مع محرري المقالات وبالأخص عبدالله حجازي الذي أمدّني منذ البداية بصدق نصائحه وتوجيهاته السديدة، كما وأحمد الحسبان وباسل الرفايعة وخليل الشوبكي والآن رداد القرالة. دون أن أغفل عن زيارة رؤساء مجلس الإدارة الذين تعاقبوا على إدارة دفة السفينة. ولا أبالغ القول أنني اتمتع بعلاقات طيبة مع الجميع، من كتّاب ومحررين ورؤساء دوائر ومركز الرأي للدراسات والمطبعة. وحين أدخل الدار، أشعر أنني في بيت يخصني. ولا أنسى الفاكسات الأولى التي كنتُ أرسلها من مكتب الرأي مع الأستاذ نبيل عجيلات في مادبا حيث كنت أعمل.
ومن أول مقال لي، قبل التطوّر التقني والسوشال ميديا، إلى اليوم، وأنا أحاول أن أبيّن أنّ الإنسان لا يولد ليُقتل، بل ليحيا وليُحيي حياة الآخرين. وفيما أكتبُ في اليوبيل الفضي الذي يتزامن مع الموجة الثالثة، مع كل أسف، لجائحة كورونا في بلادي وفي العالم، ومع استمرار الحرب في غير بقعة من الأرض، فإنني أرجو للإنسانيّة جمعاء شفاء تاما من فيروسَي الكورونا والكراهية، وأن ينعم الرَّب عليها بولادة جديدة، لا قتل فيها، ولا إراقة دماء، بل حب وعطاء، وإيثار وشجاعة، وحريّة وسلام.
لقد تعلمت الكثير في مدرسة الرأي، التي ولدت في سنة ولادتي 1971، وكتبت عن أحوال الناس ودور الدين والحوار والوئام والثقافة والفن والسياحة الدينية وشؤون الوطن وآلامه وآماله وغيرها... ومن أهم الدروس التي تعلمتها ألا أرفض رأياً مخالفاً أو منتقداً لفكرة عبّرت عنها، وأن أحترم الرأي الآخر، وأن أميّز في خطابي بين عظة ألقيها كرجل دين في الكنيسة، ومقال أخطه على صفحات جريدة عامة. فالجوهر واحد، ولكنّ الخطاب في الجريدة مجتمعي ويتدرّب الانسان عليه بالتدريج.
وفيما تأتي هذه الذكرى في مئويّة الأردن الحبيب، اقتبس الشعار وأقول: وتستمرّ المسيرة، فالكتابة الصحفية فخر، وهي انعكاسة لحريّة التعبير في مملكتنا الحبيبة، فأن يكتب كاهن مقالاً شبه أسبوعي في صحيفة يوميّة سياسيّة ليس بالأمر السهل، ولكنّه صورة زاهيّة للوطن الحاضن للجميع، وإن ضعفت صورة الصحف الورقيّة، لكن المنظر بعمق يقول انّه درب لم يكن سهلاً، لكنه انعكاس إيجابي لروح الوئام، ولحريّة قول الكلمة الصادقة و"الرأي» الرزين في هذا البلد الحبيب، بلد الأمن والأمان والايمان، بلد الوئام، وبلد الهاشميين الذين قادوا السفينة على مدار مئة عام بحنكة ودراية ومهارة قلّ نظيرها.
(الرأي)