الضوابط الدستورية والسياسية لأداء مجلس الأعيان
د.طلال طلب الشرفات
24-11-2021 10:01 PM
كثر الجدل في الآونة الأخيرة حول الحدود الدستورية والسياسية لمجلس الأعيان في ضوء طبيعة وأسلوب التعامل مع مخرجات اللجنة الملكية للتحديث والتطوير والضمانات الملكية بعرضها على مجلس الأمة دون تعديل أو حذف أو تعديل من قبل الحكومة. والحقيقة الأولى التي يجب التوقف عندها هي أن الضمانة الملكية بعدم تدخل الحكومة في تلك المخرجات هي ضمانة إجرائية ترتبط ارتباطاً جذرياً بأحكام الدستور ولا تؤشر بأي حال من الأحوال إلى مجلس الأعيان باعتباره مجلس الملك الخاص وأحد الضمانات الدستورية والسياسية لحسن الأداء العام.
الدستور الأردني دستور متطور ويضاهي أرقى الدساتير العالمية ويحاكي تجارب ديمقراطية عريقة في العالم ويستند إلى حرص هاشمي استثنائي على تطبيقه كما هو دون توظيف سياسي أو توصيف انفعالي أو انطباعي. والملك وفقاً لمعطيات الواقع السياسي منذ تأسيس الدولة هو رأس الدولة وحامي الدستور وهو القائد الأوحد للمعارضة والموالاة وللمؤيدين والمعارضين لأي موقف سياسي أو اقتصادي أو تشريعي تتخذه السلطة التنفيذية في أي شأن من شؤون الدولة، ومجلس الأعيان كان على الدوام أحد ضمانات الحكمة والحرص الوطنيين، ويدرك بدقة ضوابط التقاط الرؤى الملكية بما يخدم الوطن ويكرّس تطلعات جلالة الملك بثقة واقتدار.
مجلس الأعيان هو أحد أجنحة مجلس الأمة ويستند إلى الشراكة الدستورية مع جلالة الملك والمقررة في المادة 25 من الدستور والتي قررت ( تناط السلطة التشريعية بمجلس الأمة والملك ويتألف مجلس الأمة من مجلسي الأعيان والنواب ) وإذا كان جلالة الملك هو الذي يعين أعضاء مجلس الأعيان ويقبل استقالتهم ويعفيهم من مناصبهم سنداً لأحكام المادتين 36 و 40 من الدستور، فإن هذا التعيين يجري بصفة جلالة الملك رأس الدولة وحامي دستورها ولا يجعل من الأعيان تابعين للسلطة التنفيذية ولا يجعل منهم موظفين عامين ويمارسون اعمالهم كجزء اصيل من السلطة التشريعية، ويراقب جلالة الملك أداؤهم وفق ضوابط المصلحة الوطنية العليا بالتعيين أو قبول الاستقالة أو الإعفاء من المنصب.
في اطار الضوابط الدستورية لمجلس الأعيان قبول مشاريع القوانين المقدمة من الحكومة ورفضها وتعديلها بل له حق السؤال والاستجواب لوزير او اكثر من الحكومة دون طرح الثقة، وطلب المناقشة العامة حتى أن النظام الداخلي لمجلس الأعيان قرر أنه في حالة استجواب الوزير ترسل مضمون المناقشات الى مجلس النواب وفي هذا رسالة سياسية يتمثل في حق مجلس النواب في هذه الحالة في طرح الثقة بالوزير إذا كان لذلك مبرر معقول، وحتى عند طلب المناقشة العامة فإن نتائج تلك المناقشة يتم إرسالها للحكومة لتقويم أدائها وإصلاح أخطائها إن وجدت وفي هذا رسالة كبيرة في مضمون الدور الوطني لمجلس الأعيان الذي يجب أن يعكس آمال جلالة الملك في الأداء المنضبط الرصين.
مجلس الأعيان من أكثر المؤسسات الدستورية حرصاً على التقاط الرؤى الملكية التقاطاً حصيفاً وترجمتها الى تشريعات وسياسات وقرارات، وحتى عندما يمارس دوره الرقابي فإنه ينطلق من هذه الروح، ولكن هذه الحقيقة لا تجعل منه جزءاً من السلطة التنفيذية وفق التأصيل الدستوري وتحفظ له استقلاليته المقررة في الدستور في أداء مهامه وله الحق الكامل في قبول التشريعات أو رفضها أو تعديلها دون قيد دستوري باستثناء القيد الأخلاقي والوطني وموجبات الثقة الملكية التي تلزم مجلس الحكماء في الارتقاء دوماً إلى مستوى الآمال الوطنية ومرامي الثقة الملكية الغالية.
وطنياً، يعتبر مجلس الأعيان من أكثر المؤسسات تأهيلاً في تقييم مخرجات اللجنة الملكية للتحديث والتطوير والتعديلات الدستورية المتعلقة بتطوير آليات العمل النيابي، وإذا كانت تلك المخرجات تشكل نتاج العصف الذهني لنخبة خيرة من أبناء الوطن إلا أن مجلس الأعيان يعتبر الحصن الواعي الأمين للتقييم الموضوعي الوطني المسؤول بعيداً عن مظاهر الشعبوية وضغط الرأي العام. وكل هذا يتطلب بالتأكيد إدراك وطني استثنائي لتطلعات جلالة الملك في هذا الصدد ومصالح شعبنا الطيب الأصيل.