لا يعد التعديل الدستوري المدخل من قبل الحكومة على التعديلات الدستورية التي استحدثتها اللجنة الملكية والمرسلة إلى الحكومة اختراعا اردنيا صرفا بل هو ممارسة تخطت التجربة في العديد من البلدان المتقدمة ديمقراطيا، بل استطيع ان اقول إنه رؤية استشرافية متقدمة تعكس ارادة سياسية بالتوجه إلى الحكومات البرلمانية الحزبية التي يسعى الأردن إلى إنتاجها وانضاجها من خلال حزمة التعديلات الدستورية والتشريعية على شكل السلطات الدستورية المختلفة وعبر قانوني الانتخاب والأحزاب وما يستلزم من أنظمة ومؤسسات.

اعتقد أن على مجلس الأمة اليوم ان ينظر إلى المشاريع التي بين يديه بإستشراف ان المستقبل القادم للأجيال نبنيه اليوم بمسؤولية وحاكمية رشيدة تتطلب منا العمل الوطني الناضج الذي يرى الأردن بقلبه وعقله بالأمس واليوم وغدا، ويتطلب منا أن نجود المنتج في مرحلة استثنائية الظروف واستثنائية المعطيات في مواجهة التحديات الخارجية والداخلية خصوصا الأمنية والمتمثلة بتهديدات الإرهاب والنزاعات والصراعات، والتحديات السابقة التي استوجبت وجود آلية عالية المستوى والتنسيق لمواجهة هذه التحديات وإيجاد الحلول المناسبة والحد من آثارها السلبية.

ان تأسيس المجلس يرمي إلى النأي بالأجهزة الأمنية أيضا عن التجاذبات السياسية المتوقعة، مع إقرار قانون الانتخاب الجديد، والذي ينص على منح مقاعد للأحزاب بنسبة متدرجة ستصل إلى 65% من مقاعد البرلمان بعد نحو 10 سنوات، وفق نظام قائمة وطنية مغلقة.

في المملكة المتحدة يسمى بمجلس الأمن القومي (NSC) ،و يعمل تحت لجنة تنفيذية تابعة لمجلس الوزراء وهو مكلف بالإشراف على جميع القضايا المتعلقة بالأمن الوطني وتنسيق الاستخبارات واستراتيجية الدفاع، ومن اختصاصات المجلس النظر في الأمور المتعلقة بالأمن القومي والسياسة الخارجية والدفاع والأمن الإلكتروني والمرونة والطاقة والأمن للموارد، ويتشكل المجلس في المملكة المتحدة من رئيس الوزراء، نائب الرئيس، وزير الخزانة، وزير الخارجية، وزير الداخلية، وزير الدفاع، النائب العام البريطاني، وزير استراتيجية الأعمال والطاقة والصناعة، ووزيرة التنمية الدولية.

في الحالة العربية نطالع التجربة المغربية التي نطالع فيها تشكيل المجلس الأعلى للأمن على أنه مجلس أعلى للأمن، بصفته هيئة للتشاور بشأن إستراتجيات الأمن الداخلي والخارجي للبلاد، وتدبير حالات الأزمات ومأسسة ضوابط الأمنية، ويرأس الملك هذا المجلس، وله أن يفوض لرئيس الحكومة صلاحية رئاسة اجتماع لهذا المجلس، على أساس جدول أعمال محدد، كما يضم المجلس الأعلى للأمن في تركيبته، علاوة على رئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين، والرئيس المنتدب للسلطة القضائية، الوزراء المكلفين بالداخلية والشؤون الخارجية والعدل وإدارة الدفاع الوطني، وكذا المسؤولين عن الإدارات الأمنية، وضباط سامين بالقوات المسلحة الملكية، وكل شخصية أخرى يعتبر حضورها مفيدا لأشغال المجلس. ويحدد نظام داخلي للمجلس قواعد تنظيمه وتسييره.

علاوة على المثالين السابقين (البريطاني، والمغربي) هناك في العديد من دول العالم من انتهج هذا النهج مثل :-مجلس الدفاع الوطني المصري، مجلس الشؤون السياسية والأمنية الفرنسي، مجلس الأمن الوطني العراقي، مجلس الأمن الوطني الكويتي، مجلس الدفاع الأعلى البحريني، مجلس الأمن الوطني السوداني، مجلس الأمن القومي الأمريكي، مجلس الأعلى للأمن الوطني الإماراتي، مجلس الأمن الوطني العماني، مجلس الدفاع الوطني اليمني، مجلس الأمن القومي التونسي، المجلس الأعلى للأمن الجزائري، والمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني.

ربما هناك تخوفات من الحد من صلاحيات المؤسسات الدستورية الأردنية، او التعارض بالصلاحيات من استحداث هذا المجلس وكأننا لم نقرأ الدستور الاردني الذي ينص على أن الملك تناط به السلطة التنفيذية، ويرأس السلطة التشريعية إذ «تناط السلطة التشريعية بمجلس الأمة والملك» وجميع أحكام المحاكم تصدر باسمه، وأن الرؤية المستقبلية للحكومات ان الاغلبية البرلمانية تشكل الحكومة بمعنى انها ممثلة بالمجلس، ويمكن للمشرع كما قدمت تجويد المنتج باقتراح إضافة رئيسي مجلسي الاعيان والنواب إلى تشكيلة المجلس.

(الدستور)