توقعات الأخطبوط (بول) المدجن في حوض زجاجي بحصول الإسبان على كأس العالم ، ربما ستجعلنا نتعاطف كثيراً مع كل أخطبوط حقيقي له ثماني أذرع ، وثلاثة قلوب ، ليس أن توقعاته طابقت أهواء وتمنيات الكثير منا ، بل لأن الأخطبوط كائن رخوي ، بلا ظهر يسنده ، أو عظم يعضده ، وبلا عمود فقري يشد من أزره ، ويقوي صلبه ، ويجعله يتحمل على المحامل.
قبل كل شيء علينا أن نرفع الظلم عن هذا الكائن الذي كنا وما زلنا حتى هذه الأيام نتخذه صورة تشبيهية لأولئك الذين يمتازون بتوسعهم الأفقي والعمودي في الانتهازية والاحتكار والتحويش و(الكحوشة) على كل شيء ، وكذلك نتخذه صورة للذي يكون قادراً على بلع كل ما تتناوله أذرعه العديدة والطويلة.
ولهذا أرجو ألا تصدقوا قصص الخيال البحرية المدججة بالأوهام الكاذبة ، التي لازمتنا في طفولتنا ، والتي صورت الأخطبوط بأنه يستطيع قلب سفينة بحجم تايتنك بوكزة واحدة ، بالطبع بعد التهام ركابها وتناوشهم بخفة عجيبة.
وأرجو أن نعرف الحقيقة الصادمة عن هذا الكائن عديد الأذرع ، فهو بعكس ما يشاع عنه ، مسالم لا يعتدي على أحد ، ويتعب سريعاً ، بعد أقل مجهود يبذله ، لأنه لا يمتلك دماً كدم باقي الكائنات ، فدمه لا يحتوي على الحديد، ، وما أدراك ما الحديد؟، ، والذي بفضل وجوده في الدم يتنفس الكائن الحي ، إنما دم الأخطبوط يحتوي على عنصر النحاس، ، الذي لا يمتلك فعالية كبيرة في ذلك ، وعليه فالأخطبوط المسكين لا يستطيع بذل جهد كبير ومتواصل ، بل تخور قواه بسرعة ، فيشعر بالإرهاق ، ويرتمي مثل كيس لحم ، لا حول ولا قوة له،.
أما الأخطبوطات البرية والجوية والنهرية والهوائية ، المرئية منها وغير المرئية ، التي تعيش بيننا ومعنا ، نعم هذه قد لا يكون لها أدنى قلب ، لكنها تمتلك أكثر من ثماني أذرع طويلة ، أذرع أكثر مرونة وخفة ورشاقة وأكثر دقة في التهديف والتصويب ، أذرع من عاج وبلاتين وذهب ، أو من مادة الواسطة الشهيرة ، أذرع تستطيع أن تقلب سفنا ومشاريع أثقل من تايتنك بكثير.
هذه الأخطبوطات ، التي تستطيع أن تمتد بكل الجهات برشاقة وسلام ، لتنهش وتحتكر ، ليست كأخطبوطات البحر من فصيلة الأخطبوط (بول) المهدد بالقلي والقرمشة من قبل الهولنديين ، فدم يعج بالحديد ، ولهذا فهي لن تكل ولن تمل ولن تشعر بالإرهاق ، بل كلما أكلت أكثر: تفاقمت شهوتها أكثر ، كالنيران ، بل أحمى وطيسا،.
الدستور