لم احضر مباراة قدم في حياتي ، لا في الملاعب ولا على شاشات التلفزة ، وكانت مباراة اسبانيا وهولندا ، المباراة الاولى التي احضرها ، واحسبها الاخيرة.
مثيرة هي اللعبة حد الجنون ، وُتسبب الهستيريا ، غير ان اللافت للانتباه ، هي تلك الامم الراقية ، في تعبيراتها الرياضية ، طوال المباراة وبعد اعلان فوز اسبانيا ، لم تشاهد زجاجة ماء بلاستيكية ، تطير من ملاعب المتفرجين باتجاه الملعب ، ولم تشاهد ايضا سكاكين ومسدسات وقناوي بايدي المتفرجين ، ولا تعصبات تدل على الافلاس.
عمان كانت اسبانية ، والذين خرجوا بعد اعلان الفوز ، شاهدوا بأم اعينهم الاف السيارات تجوب الشوارع تحمل اعلاما اسبانية ، وكأن الفوز فوزها ، والناس تبحث عن لحظة فرح ، حتى لو كانت دولية ، والشماتة بهولندا كانت غريبة ، وحين اسأل شخصا عن سر الشماتة بهولندا يسيس لك الموضوع ، ويقول لك انهم اعتدوا على الرسول ، فتقرأ خلف الفرح ، قصصا دينية وسياسية.
شجع الاردنيون اسبانيا في المباراة الاخيرة ، لعدة اسباب ، ابرزها ان الاردنيين يشجعون عادة الفرق الكروية الاسبانية ، ومن الطبيعي ان يصبوا دعمهم باتجاه المنتخب الاسباني ، ولسبب اخر يتعلق باعتقاد العرب ان هناك دماء مختلطة بين العرب والاسبان ، من حكم الاندلس لثمانمائة عام ، حصادها الشعر الاسود على رؤوس الاسبان.
الحكم العربي لجنوب اسبانيا ، كان احتلالا مكروهاً بنظر الاسبان ، غير ان الرابط التاريخي بقي قائما ، ولا علاقة للقصة باللعب الحلو ، او بدوافع رياضية بحت ، فكل شيء عند العرب سياسة.
تبقى تلك اللفتات التي تعد مثيرة ، من انضباط المتفرجين ، الى التعبير بطريقة جميلة ومحترمة عن الفوز في المدن الاسبانية ، والتعبير الهادئ عن الهزيمة الذي تجلى بانسحاب جمهور هولندا من الملعب ، وعودته الى دياره دون تكسير او تحطيم او شغب في الشوارع ، او تمزيق لاعلام اسبانيا تعبيراً عن الغضب.
تبقى في قلبك تلك الغصة الانسانية حين ترى لاعبا هولندياً يبكي وتدمع عيناه بعد الهزيمة ، فتسأل نفسك اذا كان هذا يبكى من اجل مباراة ، فماذا يجب ان يفعل العرب وهم يجلسون كل يوم على "خازوق" جديد من الهزائم حتى لم تعد الهزائم تقطع فيهم ابداً ، ولربما اذا مر يوم او اكثر دون هزيمة او صفعة ، حكنا جلدنا.
حرقت المباراة اعصابي ، واكتشفت ان ربط رأسك المستدير بكرة القدم المستديرة ، يجعلك تدوخ ، من كثرة الركلات ، واذا كان هناك فائز حقا في كل مباريات كرة القدم ، فهي الكرة ، لانها استطاعت ان تدير العالم بدورانها.
لاسبانيا الفوز ، وللعرب الذكريات الحمراء لاجدادهم ، والفرق كبير بين ما يجيده كل طرف،،.
الدستور