نريد أن نتحدث بصراحة شديدة، اليوم، عن ملف حساس، هو ملف الفساد، الذي يقول لك بعض كبار القوم، إن كثرة الكلام عنه، تؤدي إلى تشويه سمعة الأردن، أمام العالم.
الفساد ليس آفة الكبار، فقط، بل آفة الكل، لأن الأغلبية قد تتورط بنمط من أنماط الفساد، وقد تم الإعلان مؤخرا عن حالات فساد لمحاسب مثلا في إحدى الوزارات اختلس ثلاثمائة ألف دينار، وهناك قضايا فساد كثيرة، يتم الكشف عنها في تقارير ديوان المحاسبة، أو عبر هيئة مكافحة الفساد، لكن المخفي أعظم، وهذا المخفي نراه في مؤسسات كثيرة، ولا يمكن تقديم الأدلة عليه، لأن الراشي والمرتشي، اتفقا على عدم توريط بعضهما.
كيف يمكن للمسؤولين في الدولة الأردنية، أن يواصلوا الطلب من المواطنين الإبلاغ عن حالات فساد، إذا كان الفساد، بات مصلحة مشتركة، فالمواطن يدفع الرشى للخلاص من مطالبات مالية حكومية، أو بلدية، أو للتخفيف من قيمتها، والمرتشي يدرك أن المواطن مخنوق، وسوف يدفع كلفة أقل، للخلاص من هذه المطالبة أو تلك، خصوصا، حين يكون هناك نوع من الظلم.
هكذا وصلنا، الرشوة حل للراشي قبل المرتشي، والسبب في ذلك أن طبيعة البنية الحكومية تتيح لكثيرين التسلط على خلق الله، وهؤلاء إذا تعاملوا مع شخص لا يدفع الرشى لأسباب دينية، أو تخوفا من القانون، يقومون بالانتقام منه، وتكبيده كلفا عالية، خصوصا، إذا كانوا شبكة تعمل مع بعضها البعض في مواقع مختلفة، ويستترون بعيدا عن الأعين، في حالات كثيرة.
أسوأ التفسيرات التي تسمعها من البعض الكلام عن فقر المرتشي، وأنه لولا الحاجة لما ارتشى، أو مارس الفساد، وهذا غير صحيح، لأن الموظف إذا كان فقيرا أو محتاجا، فهذا لا يمنحه الرخصة حتى يرتشي، ولا أصل دينيا ولا أخلاقيا لهكذا تخريجة يتم من خلالها إيجاد عذر للمرتشي الذي ينام ليله الطويل، وهو يعرف أن ابنه أو ابنته يأكلون المال الحرام، لكنه لا يأبه فقد تحول إلى شبه بشر، بلا ضمير، دون أن يدرك انه سيكون مجرد حطب في جهنم، بسبب سرقته مال الناس، وقد يرى في حياته، ما هو أسوأ خلال مرحلة ما، هذا إذا لم يتوقف طبعا.
هناك أمم بلا دين، لكن لديها معايير أخلاقية، ولا ترتشي ولا تسرق المال العام، ونحن من الأمم التي تتفاخر ليل نهار، بنفسها، لكن الواقع يشي بالعكس، حين يصل الكلام بالبعض للقول إن سرقة الماء والكهرباء، حلال، وتلقي الرشى على معاملة حكومية أو بلدية حلال، حتى ينفق المرتشي على تعليم أولاده، وحين يقول لك البعض الآخر، إن هذه بلاد منهوبة، فلماذا لا نسرقها أيضا، فالكل يسرق، فلماذا تلاحقون المرتشي الصغير، وتتركون الكبار، ممن يسرقون بالملايين.
اللافت للانتباه أنه برغم كل الإعلانات الرسمية عن حالات الفساد التي يتم كشفها، إلا أن الفساد يتواصل، ونحن بتنا نقلد دولا عربية، كان وما يزال دفع الرشى فيها عاديا، وهذا أمر مؤسف، ومحزن، لا يجوز معه، الفخر الزائف، بأننا كما كنا، فلم نعد كما كنا أبدا، وقد صعبت الحياة إلى الدرجة التي يستحل فيها كثيرون المحرمات، بذريعة الحاجة والظروف.
هل تستطيع الدولة العودة إلى موظفين متقاعدين من قطاعات معينة، بعد عشر سنوات، وسؤالهم عن مصدر سياراتهم، أو أراضيهم، أو بيوتهم، سواء تم تسجيلها بأسمائهم، أو أسماء زوجاتهم، أو أبنائهم، أو بغير ذلك من وسائل، وهذا توجه مهم لا بد من تبنيه دون تخوين أحد.
أعرف من رفض دفع الرشوة، لاعتبارات دينية، مثلا، فتم تعليمه درسا من طرف ما، بزيادة المطلوب منه، وجعله يندم بشدة لأنه لم يدفع لهذا الموظف، وهكذا فإن التسلط على الناس، بلغ مداه، وكأن هذه الشلل في المؤسسات والدوائر، شريكة في مال الناس، فوق الحسد، وضيقة العين، التي تبرر لهم الضغط من أجل رشوة عابرة، تزيد متلقيها هوانا، على مدى الأيام.
لا أحد يوفر الآخر، ولا مال البلد، ولا مال غيره، من قطع الشجرة، إلى طلب الرشوة، إلى سرقة الكهرباء، فيما غالبية الأردنيين، أصحاب شرف ودين، ويرفضون هذا المشهد، ويريدون حلا جذريا.
(الغد)