للتعرف عن قرب على أهمية اللغة الروسية وسط الأردن و العرب و وسط الأعلامين الأردني و العربي أيضا يتوجب علينا أن نعيدها لحامل رايتها و مؤسسها في القرن التاسع عشر ألكسندر سيرغييفيج بوشكين ( الأديب, و الشاعر , و المسرحي , و الروائي ) , و هو الذي تحدث الفرنسية أولا لعشر سنوات , ويقال أكثر , قبل أن يتعلم الروسية من جيرانه حيث ولد و سكن في العاصمة الجميلة ( موسكو ) . وتمكن في حياته بين عامي 1799 و 1837 من إنتاج خمسة عشر مؤلفا من أهمها روايته الشعرية الشهيرة ( يفغيني أنيغين ) بين عامي 1825 1832 , و التي تحدثت عن العلاقة بين الخيال و الحب و الحياة الحقيقية .
وفي البدايات كانت اللغة الروسية أدبية معقدة أي ( فصحى ) ثم ظهرت العامية البسيطة نوعا ما , و عرفت الروسية وحتى الساعة بصعوبة قواعدها . و أحتضن تاريخ اللغة الروسية ثلة من عمالقة الأدب الروسي , أذكر منهم هنا على سبيل المثال لا الحصر ( ليرمانتوف ) صاحب قصيدة " غصن فلسطين " و التي فيها قال " كانت مياه الأردن الطاهرة بقربك أم كانت شمس الشرق تداعبك ؟ و دوستيفسكي صاحب رواية ( المساكين ) و غيرها , و غوغل مؤلف قصة ( المعطف ) , و تولستوي صاحب رواية " الحرب و السلام " , و تشيخوف الطبيب و كاتب القصص الساخرة بأسماء مستعارة . و أنا أخماتوف , و اسمها الحقيقي - لانا غورزنكو - شاعرة الحقبة السوفيتية , و أول قصيدة لها " الأمسية " , و مكسيم غوركي الذي رشح إسمه لخمس مرات لجائزة نوبل , و صاحب رواية " الأم " و غيرها الكثير .
وإسم اللغة الروسية و صورتها الذهنية إرتبط بتاريخ روسيا الأتحادية و حضاراتها أيضا منذ العهدين القيصري و السوفيتي , و المعاصر . وهي واحدة من أهم لغات العالم , و السادسة ترتيبا حسب لغات الأمم المتحدة , وممثلة في مجلس الأمن ,و اليونسكو , و الأتحاد الأوروبي , ووسط المنطقة الأوروبية - الأسيوية , ولها حضور في منظومة الدول المستقلة , وفي الجوار الأوكراني خاصة في جناحه الشرقي " الدونباس و لوغانسك " , و في عمق ثماني عشر دولة تحد روسيا . و يتحدث بها اليوم ما يزيد عن ثلاثمائة مليون إنسان .و اللغة الروسية تتميز عن العربية بأنها تكتب من اليسار إلى اليمين رغم تبوأ العربية بالمرتبة الرابعة أمميا , و عدد حروفها أكثر من العربية بخمسة حروف , وهي سلافية شرقية , ومن عائلة اللغات الهندو – أوروبية , و حرفان فيها صامتان , و ثلاثين لهما شكلان كبيران و صغيران .
و صندوق " روسكي مير " الذي أسس في موسكو بمبادرة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عام 2007 و بالتعاون مع الكنيسة الأرثوذكسية هدف إلى نشر اللغة الروسية في العالم , و بقيادة النائب البروفيسور فيجيسلاف نيكانوف رفع الصندوق شعارا إشتركت به البروفيسور المرحومة لودميلا فيربتسكايا " ألعالم سيتحدث بالروسية " . و شخصيا شاركت بعدد من مؤتمرات الصندوق في ( موسكو ) و ( سوتشي ) , و كانت الفائدة كبيرة .
وروسيا الأتحادية قريبة من العرب و من الأردن , و تطلق على شرقنا " الأوسط القريب " , و أقامت في عمق تاريخنا المعاصر علاقات مع المملكة العربية السعودية أولا عام 1926 , ومعنا هنا في الأردن فتحت القناة الدبلوماسية الروسية في الزمن السوفيتي في عهد مليكنا الراحل الحسين العظيم طيب الله ثراه و الزعيم السوفيتي نيكيتا خرتشوف عام 1963 . و هو الملك الذي يستحق أن يطلق إسمه على إحدى شوارع موسكو الهامة . و ظهور مركز ثقافي سوفيتي في ستينيات القرن الماضي خدم وجود اللغة الروسية بعمان و ساهم في تعليمها للأجيال الدارسة في الأتحاد السوفيتي السابق , و تمكن من تقديم منح دراسية عديدة تقدر بأكثر من 20 الفا . و مركز للعلوم و الثقافة واصل المسيرة الثقافية الروسية - الأردنية ,و أصبح يقدم منحا دراسية سنوية تقدر ب 160 منحة ( بكالوريوس , ماجستير , دكتوراه ) , و برامج ثقافية متنوعة تقدم لرواده الأردنيين بأعمارهم المختلفة . و نادي لخريجي روسيا و الأتحاد السوفيتي " ابن سينا " يقدم العديد من الأنشطة الثقافية و الأجتماعية و بنجاح , و جمعية للصداقة الأردنية - الروسية تعزز العلاقات بين الأردن و روسيا الأتحادية و في المجال الثقافي أيضا . و مجلس للجاليات الروسية لمتابعة شأن الجاليات في الأردن على كافة الصعد ,و اخر للشبيبة .
و تشكل اللغة الروسية مصدرا هاما للإعلامين العربي و الأردني عبر القنوات الفضائية الأخبارية ( 1, RTR ,24 ,ART) ووكالة ايتار تاس للأنباء , و غير ذلك من القنوات الموسيقية و الفنية , و الأنترنت , و المواقع الألكترونية , و الصحف الورقية المحمولة على الأنترنت مثل ( البرافدا , و إزفيستيا , و أرجومينتي , و موسكو , و سانتبيتر بورغ ), و السينما , و الفيديو , و اليوتيوب , و الواتساب , و الأنستيغرام , و الماسينجر , والتيلغرام.
وهاهي اللغة الروسية تنمو و تتطور في زاوية الجامعة الأردنية ( أم الجامعات ) , و عدد إقبال الطلبة الأردنيين بإزدياد ( قرابة المائة سنويا ) , وتم ترفيع اللغة الروسية من مواد تدريسية إلى بكالوريوس , و تدرس أيضا في جامعة اليرموك . و لقد أصبحت اللغة الروسية مهمة في العمل الدبلوماسي الأردني في موسكو , و في التبادل التجاري و الأقتصادي بين الأردن و روسيا , وفي المجال العسكري , و لدينا مشروع نووي سلمي مشترك مع روسيا و دول عالمية و اللغة الروسية مهمة فيه . و كذلك الأمر في موضوع السياحة بين الأردن و روسيا و تطوراتها ,و خاصة الدينية منها بوجود مغطس السيد المسيح و بإعتراف ( الفاتيكان ) , و بحضور الكنيسة الروسية على ضفاف البحر الميت , وهي التي سمح جلالة الملك عبدالله الثاني ببنائها هناك على قطعة من الأرض تقدر بعشر دونمات . و علاقات إجتماعية أردنية - روسية متطورة و زيجات روسيات و سوفيتيات هنا في الأردن و أبناء و أحفاد برقم مرتفع عدة الاف , وهو رقم محتاج لأحصاء دقيق من قبل الجهات المعنية .
و أنشطة رياضية أردنية – روسية مشتركة وعلى مستوى الأولمبياد . و بعد فني , و أدبي , و فلسفي , و على مستوى تأليف الكتب السياسية و غيرها . و على الصعيد الشخصي اصدرت كتابين في السياسة الروسية ( روسيا المعاصرة و العرب ) , و ( الرهاب الروسي غير المبرر ) , وكتاب ثالث قادم . و عبد الهادي دهيسات تمكن من ترجمة ملحمة ( يفغيني أنيغين ) للشاعر الروسي الكبير الكسندر بوشكين . وكتاب " روسيا من الثورة الى الثورة " للدكتور سامر العاصي . و إهتمام في الشأن السياسي الروسي لدى موقع عمون الأخباري الموقر , و لجريدة الرأي الأردنية الغراء , و لباقي المواقع الأخبارية الأردنية و للصحافة الأردنية أيضا , و لمحطة ( التغيير ) العراقية بعمان , و صحيفة (البيان ) الأماراتية , و لدى تلفزيون ( المملكة ) , و لمجلة ( و رقة و قلم لصاحبها معالي وزير الأعلام الأسبق سميح المعايطة شاركت بهم شخصيا عبر الحضور الفضائي و المقالة .
وستبقى اللغة الروسية حاضرة و متطورة و عالمية مستندة على قوتها من قوة حضور روسيا الأتحادية العملاقة الأكثر تمسكا بالقانون الدولي عبر الأمم المتحدة و مجلس الأمن و المحكمة الدولية , وهي التي فوق النووية و فوق الصوتية و الفضائية , و صديقة الأردن وكل العرب . و ما ألاحظه على القيادة الروسية السياسية كمتابع سياسي و إعلامي من هنا من وسط الشرق العربي و الأوسط عموما هو تمسكهم بالحديث مباشرة بها , و عبر إستقبال ضيوفهم ومنهم كبار الضيوف , و أينما يرتحلون سياسيا ترحل اللغة الروسية معهم , و يضبطون ساعاتهم على وقعها و مكانة روسيا العظيمة . و الترجمة الفورية حاضرة دائما في لقائاتهم , و هي ما نحتاج إليها هنا في الجامعة الأردنية الأم وفي المركز الثقافي الروسي بعمان , خدمة للعلاقات الأردنية - الروسية الدافئة بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني المعظم وفخامة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين . و الله الموفق .( محاضرة في زاوية اللغة الروسية في الجامعة الأردنية . الأثنين . 22 تشرين الثاني 2021 )