تُعبّر القوة الناعمة، التي طورها جوزيف ناي، عن قدرة الأمة على تحقيق مصلحتها باستخدام الإقناع والجاذبية بدلاً من الإكراه، و انّها في جوهرها إمكانيّة أمّة معينة على التأثير في أمم أخرى وتوجيهها إلى جاذبية نظامها الاجتماعي والثقافي ومنظومة قيمها ومؤسساتها وخياراتها العامة؛ للحصول على النتائج والأهداف المرغوبة، دون اللجوء إلى الاستعمال المفرط للعوامل والوسائل العسكرية والصلبة.

و لتوسيع نطاقها، يدلّ استاذ العلاقات الدولية جوزيف ناي لطرق عديدة: الثقافة الشعبية، وسائل الدبلوماسية؛ الخاصة والعامة،المنظمات الدولية، مجمل الشركات والمؤسسات التجارية القائمة. وتتمثل القوة الناعمة في دولة ما من الدول الفاعلة في المشهد الدولي في ثلاث عناصر أساسية: أولا الثقافة العامة وما إذا كانت جاذبة أم منفرة للآخرين. ثانيا، القيم السياسية ومدى جدية الالتزام بها سواء في الداخل أم في الخارج سلما أم حربا. ثالثا، السياسة الخارجية المنتهجة ودرجة مشروعيتها وقبولها الطوعي من طرف دول العالم وشعوبه بما يعزز مكانة الدولة، وهو ما أشار له كذلك جوزيف ناي والذي يعدٍ من أشهر من كتب في القوة الناعمة.

وفي السياسة الدولية ترمز القوة الناعمة إلى القيم التي تعبر عنها منظمة أو بلد ما في الثقافة والسلوك، وقد تجد دولا لها وزن كبير في هذا الجانب لأنها تحدد مصلحتها الوطنية بحيث تتضمن المساعدة والمساندة في الأزمات والمشاركة في إحلال السلام والتوسط في فض النزاعات بين الدول، وتقديم العون المادي والطبي كما هو قائم بين الدول المتقدمة طبياً وبين دول العالم الثالث وخاصة في ظل جائحة كورونا.

ومن جانب آخر، يعدّ هذا النوع من القوة مورد تمتلكه الهند منذ فترة طويلة بوفرة، ويرجع الفضل في جزء كبير منه إلى عوامل مثل تنوعها الثقافي الواسع وثرائها التقليدي الذي انتشر عبر جميع أبعادها، وتاريخها كـ "غير المعتدي" ، وحركة المهاتما غاندي للحقيقة واللاعنف والسلام المعروف في جميع أنحاء العالم. كما ان بانديت جواهر لال نهرو، أول رئيس وزراء للهند المستقلة، من دعاة تعزيز أيديولوجية الهند للقوة الناعمة والدبلوماسية في المشهد العالمي. و في العقود القليلة الماضية، من التحرير في عام ١٩٩٠ إلى قيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، مما أثرت السياسات الخارجية للهند بشكل كبير على نمو جاذبية الهند في جميع أنحاء العالم.

و لعدة عقود تشترك الهند والاتحاد الأوروبي في شراكة من حيث التجارة، والتمويل، والتعليم، والمناخ، وما الى ذلك. حيث يعتبر الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري للهند، بالإضافة إلى ثاني أكبر وجهة للصادرات. وتصف الهند والاتحاد الأوروبي نفسيهما بأنهما "شريكان طبيعيان" ملتزمان بتعميق علاقاتهما. باعتبارهما من أكبر الديمقراطيات في العالم. تمتلك الهند والاتحاد الأوروبي إمكانات لا حصر لها للازدهار الجماعي.. والعديد من الميزات وفق مقال ديناميات القوة الناعمة في العلاقات بين الهند وأوروبا نشر بتاريخ ١٢ اكتوبر ٢٠٢١ في موقع Diplomatist.

انّ نهج القوة الناعمة هو حل حضاري وحديث للنزاع، لأنه يتم تنفيذه باستخدام الحكمة المحلية، والقيم، والأخلاق، والأسلوب، ومنهج العطاء لجعل تضارب المصالح قد ينخفض. فعندما تتجمع لدولة ما ثقافة قائمة على قيمة عالمية ومصالح مشتركة مع الآخرين فإنه يزيد من إمكانية تحقيق ما ترمي إليه بسبب العلاقات التي تخلقها من الجاذبية.

وكوسيلة ضمان أخرى لاستقرار العلاقات بين الدول وداخلها، يتزايد استخدام الوساطة في النزاعات السياسية، والقوة الناعمة تسلط الضوء على الدور العالمي الذي تحتله الوساطة في صنع السلام السياسي. فاستراتيجيات الوساطة وظهور جهات فاعلة جديدة في عملية بناء السلام تعزّز ادوات القوى الناعمة وتحقّق غاياتها.

وما أبلغ تأثيرها مجتمعة، و حينما ترتبط بالقيم السامية!