في المئة سنة الماضية، وما قبل ذلك حاول القادة من الهاشميين في الحجاز وبلاد الشام والعراق أن يرسخوا قيم الديموقراطية، فأنشأوا نهاية العشرينات مجلس النواب في العراق ومجلس تشريعي في الأردن، وسبقهم الشريف الحسين بن علي بإنشاء مجلس للشورى في مكة. فنشأت بنية تحتية كانت موازية لانطلاقة الديموقراطيات الحديثة بل تتعدى بعضها، فما الذي جعل التطور السياسي في هذه الدول بطيئا لم يتعد التطور الذي يحدث في دول العالم الثالث؟ حتى أن جنوب شرق آسيا وأوروبا الشرقية وإفريقيا وأميركا اللاتينية، تجاوزت التطور في الشرق الأوسط، وهنا التركيز على ما كان يأمل أن يحققه الهاشميون، ذلك أن الإرادة الدولية حالت دون تحقيق أي تقدم سياسي في المنطقة لتسهيل السيطرة على مقدرات وإمكانيات الصحراء العربية وما تحتوي من بترول ومعادن، ومقدرات أخرى مختلفة.
ومع هذا حاول الهاشميون وعلى رأسهم الشريف الحسين القيام بما يمكن القيام به لتحقيق مجتمع متجانس يكون المشرق العربي آنذاك، وكان هذا هدفا لإقامة الدولة العربية من عدن جنوب اليمن حتى جبال طوروس على حدود تركيا، ومن البحر المتوسط حتى الخليج العربي، ويترك أمر الوحدة مع دول عربية في أفريقيا مستقبلا؛ ولكن كانت دول أوروبية تقف وراء فشل تحقيق هذه الأهداف من خلال الاحتلال أو تخوين القدوات ومنهم الهاشميون، كما عمل الكيان الصهيوني باحتلاله لفلسطين على الحد من أي تطور سياسي في المنطقة، إذ صرفت الأموال على التسليح. وبهذا قامت الكثير من الثورات والانقلابات والتغييرات التي ساهمت في التراجع السياسي في الدول العربية.
ووقع الأردن على الحد الأطول مع فلسطين التاريخية التي احتلت من قبل الكيان الغاصب، وكان لزاما على رأس الدولة أن يستخدم صلاحياته في وقف الحياة البرلمانية، وإجراء الأحكام العرفية أثناء الحروب مع هذا الكيان وما بعد ذلك، حتى عام ١٩٨٩م عند استئناف الحياة السياسية، وأيضا حدثت الكثير من الانقلابات في دول عربية كان لتدخل الدول الأجنبية والكيان المستعمر دور كبير فيها ما منع من التطور. وكانت محددات الديموقراطية لظروف الجغرافيا والديموغرافيا حاجزا، ومع هذا بقي الهاشميون دعاة انفتاح وتطور إلى يومنا هذا.
واستمر الأردن ساعيا إلى تطوير الحياة السياسية وتعزيز الديمقراطية، فقد أطلق جلالة الملك عبدالله الثاني في عام 2011 رؤية إصلاح سياسي أكّدت على أهمية زيادة مشاركة المواطنين في صنع القرار والمزيد من الشفافية والحوكمة والمساءلة على جميع المستويات الحكومية لإيجاد مجتمع مدنيّ فاعل رغم التحديات الماثلة، إذ تراجعت ثقة المواطنين بالأداء الحكومي بالتوازي مع ازدياد معدلات الفقر وارتفاع تكاليف المعيشة، وبقيت مشاركة المواطنين في صنع القرار محدودة من قبل النساء والشباب، هذا إلى جانب ضعف المجتمع المدني، فبات العديد من المواطنين يرون أنّ الحكومات على تتابعها لا تلبي احتياجاتهم ولم تأتي ببرامج تغيير حيوي يحقق الطموح.
لقد بات على الحكومة الأردنية أن تنهض برؤية جلالة الملك نحو مستقبل أكثر استقرارا وأمانا مبنيّ على أسس ديمقراطية معززة، وعليها دعم الشراكة فيما بين مؤسّسات الدولة والمواطنين وتحقيق المرونة المؤسسية وإعداد الخطط والسياسات التي تزيد من كفاءة الخدمات العامة، وتعزيز دور المجتمع المدني وتمكينه من تمثيل الشعب والمدافعة عن احتياجاته، وتمكين المؤسسات الحكومية من الاستجابة بفعالية لاحتياجات جميع الأردنيين، وتقوية الحكم المحلي لتقديم الخدمات التي تساعد في ازدهار المجتمع الأردني.