إذا كان الاقتصاد الأردني هو اقتصاد سوق ناشئ، وقاعدة موارده الإقتصادية هي رأس المال البشري بالدرجة الأولى لأنها أغلى ما نملك ولأنها تقود الريادة والابتكار والأبداع، وبالدرجة الثانية بعض الموارد الطبيعية، والسياحة، والمساعدات الخارجية، والتحويلات الأجنبية. واذا كان اعتماد الاقتصاد الأردني على الموارد الطبيعية المستغلة من باطن الأرض وسطحها لا يتعدى بعض الارض الصالحة للزراعة وبعض المعادن والأملاح، من بوتاس وفوسفات ومشتقاتها، وبعض النفط والغاز غير التجاري، وغيرها من الموارد التي لا نزال على خلاف في مدى توفرها من عدمه، فلا بد اذن أن يصبح الاقتصاد الأردني اقتصاد تحركه الكفاءة والريادة والابتكار. فماذا يعني ذلك؟!
إن النمو الاقتصادي يتم تفسيره تقليدياً من خلال الموارد الطبيعية للدول والشركات الكبرى والتجارة، إلا أن التفسيرات الحديثة تضيف الابتكار والتنمية البشرية. وحتى نستطيع ادخال الاقتصاد الاردني في مرحلة اقتصاد الابتكار وريادة الاعمال، لا بد من تهيئة كافة عناصر اللازمة لتمكين رواد الأعمال من بدء نشاطاتهم الريادية بكل سهولة ويسر وابداع، وهذا يحتاج ان تكون القوانين والسياسات واللوائح ممكنة لرواد الأعمال من بدء عمل ريادي، كما ويحتاج أن تكون البيئة التعليمية بمختلف مراحلها مشجعة للابداع والابتكار. ماذا فعلنا حتى الان؟
قوانين وسياسات ولوائح كثيرة عُدلت ووضعت لتهيئة البيئة أمام رواد الاعمال في الاردن وكان على رأس ذلك اهتمام جلالة الملك عبدالله الثاني وسمو ولي العهد بالرياديين الشباب من الجنسين، فعقدت الكثير من اللقاءات معهم خلال السنوات القليلة الماضية وهيئت البيئة في العديد من الجامعات وانشئت الكثير من مراكز الريادة والابداع وحاضنات الاعمال. فماذا كانت النتيجة؟
الدراسات التي نفذتها جيدكو بينت ما يلي: أن 14 بالمائة من المشاريع الريادية في الأردن يقوم عليها شباب تتراوح أعمارهم بين 18-24 سنة ، وأن 48 بالمائة من المشاريع الريادية في الأردن يقوم عليها شباب تتراوح أعمارهم بين 24-34 سنة، وبالتالي فإن الرياديين الذي تقل أعمارهم عن 30 سنة يشكلون أكثر من نصف الرياديين بشكل عام في الأردن. وبينت أن ما يقرب من 9.1 بالمائة من السكان البالغين في الأردن يشاركون في نشاط ريادي، من خلال إما بدء أعمال ريادية أو إدارتها، وهذا يضع الأردن في المركز 34 من بين 50 اقتصادا شاركوا في استبيان السكان البالغين الذي نفذه المرصد العالمي لريادة الاعمال.
وأظهر نشاط ريادة الأعمال، مقاساً بنسبة رواد الأعمال في مراحلها المبكرة من السكان البالغين، اختلافات متمايزة في عام 2017 عبر المحافظات في الأردن. وكانت أعلى نسبة نشاط ريادة الأعمال في مراحله المبكرة في عجلون 13.2 بالمائة ، والكرك 11.3 بالمائة، وإربد 10.1 بالمائة، وبلغ معدل نشاط ريادة الأعمال في مراحله المبكرة في العاصمة عمان 9 بالمائة فقط. وقد لوحظت أدنى معدلات نشاط ريادة الأعمال في مراحله المبكرة في المفرق والطفيلة بنسب 2.3 بالمائة و 3.6 بالمائة، على التوالي. وبينت المسوحات أن نسبة الاناث الى الذكور في نشاط ريادة الأعمال في مراحلة المبكرة في الاردن هو 7: 10 وهي نسبة مرتفعة جدا مقارنة مع المتوسطات في الاقليم والعالم والتي وصلت الى 4: 10 فقط.
من الواضح أن هنالك تعطش واندفاع كبيرين من قبل الشباب الأردني، بغض النظر على الجندر، نحو الريادة في الأعمال، وذلك لأسباب عدة، من أبرزها، احداث فرق في السوق، وبناء ثروة كبيرة أو دخل مرتفع، ومواصلة تقليد عائلي، وكسب العيش لأن الوظائف أصبحت نادرة.
الأمر الذي يبعث على التفاؤل، اذا كانت هذه النسبة تعكس الواقع، أن 10.5 بالمائة فقط من الشركات الريادية توقفت عن العمل لأسباب تتعلق بانخفاض الربحية (51.1 بالمائة)، والبيروقراطية الحكومية (16.1 بالمائة)، ولوجود عقبات في الحصول على تمويل (12.3 بالمائة).
نختم بالقول، اذا أردنا نقل اقتصادنا الأردني من كونه اقتصاد يعتمد على الموارد في النمو، الى اقتصاد يعتمد على الكفاءة والريادة والابتكار والأبداع، لا بد أولا من احداث ثورة كبيرة مبنية على أسس علمية في مناهجنا المدرسية والجامعية والمهنية بحيث تواكب متطلبات الثورة التكنولوجية الرابعة، ولا بد من ادخال مناهج الابتكار والريادة والابداع في كافة مراحل الدراسة وخاصة الثانوية والجامعية، وأن لا نكتفي بمادة متطلب جامعي على استحياء، أو فصل في مادة الثقافة المالية التي فرضت على طلاب الادبي في المدارس في صفوف السابع وحتى الثاني عشر، وأن تكون سياساتنا وقوانيننا ولوائحنا محفزة للابداع والابتكار وريادة الاعمال. كل ذلك حتى نضمن أن مخرجات التعليم مواكبة لمتطلبات السوق، وأن جيل الشباب قادر ومؤهل ومدرب على ريادة الاعمال، وقيادة النمو الاقتصادي في السنوات المقبلة.
(الرأي)