لا أفهم معنى أن يكون للرجل يوماً دولياً. تبدو لي الفكرة مائعة باهتة مطاطة. عن أي رجل نتحدث؟ عن الفالح أم عن الطالح؟ عن من يزرع الأرض، أم ذلك الذي يقطع الأشجار ويسهم إلى جانب الماعز في فعل التصحر. ولا أفهم لماذا خصصت «اليونسكو» يوماً للفلسفة، وآخر للمنطق. تذكرت مقولة سعيد صالح: «هو ده المنطق؟».
لا شك أن الفلسفة تحمل قيمة عظيمة في تطوير الفكر البشري في كل ثقافة، وتحث على إقامة حوار بين الثقافات المختلفة من خلال تنوع التيارات الفكرية، والدعوة إلى إعمال العقل والتفكير، ومناقشة الآراء بعقلانية، إضافة إلى كونها وسيلة لتحرير القدرات الإبداعية للبشر، وربما من شأن أساتذة الفلسفة من أمثال الأستاذ الدكتور أحمد ماضي، أن يشرحوا لنا الفرق بين الفلسفة والمنطق كعلمين منفصلين يحظى كل منهما بيوم عالمي تحتفي فيهما منظمة اليونسكو.
أفهم أن المعلم يستحق يوماً يبجل فيه دوره السامي في مجال التعليم، وأن يكون للشباب يوماً من حيث أنهم عماد المستقبل وورثة الحاضر، وأن يكون للفقر يوماً، فهو النتيجة الظالمة للغنى الفاحش، والجشع الدولي، وعدم مساواة الفرص، وتحقيق العدالة الاجتماعية. وأن يكون للطفلة يوم، ونحن نسمع كل يوم عن اعتداءات جسدية ومعنوية وأخلاقية تجاه فتيات قاصرات في عمر الورد، يغتصبن، أو يضربن، أو يحرمن من التعليم، أو يتم تشغيلهن في أعمال البغاء في غير بقعة في الأرض، إضافة إلى مسائل الأحوال الشخصية التي تتعرض فيها الطفلة كما المرأة، إلى ظلم بيّن، ولذلك جاء اليوم العالمي للمرأة لتعظيم الدور الذي تقوم به في مجالات العلم والتنمية والبناء، وحقها في المساواة في الحقوق في كافة المجالات.
أفهم أيضاً أن يكون لحرية لصحافة يوم في السنة، وأن يخصص للكتاب وحقوق المؤلفين يوم آخر في ظل أجواء التجارة والكسب على ظهور المؤلفين، وفي ظل السرقات الأدبية التي تطفو آثارها على السطح بين وقت وآخر، وكذلك تخصيص يوم للشعر بعد أن اندثر الشعراء الفحول، وأصبح كل من هب ودب شاعراً.
استهوتني فكرة أن يكون للمحيطات يوم، وكيف لا تحظى بهذا التقدير، وهي تغطي 70 بالمائة من كوكب الأرض، وتنتج 50 بالمائة من الأكسجين الموجود على سطح الكوكب، وهي المصدر الرئيسي للبروتينات لحوالي مليار شخص ويزيد حول العالم، وكيف لا وهي مفتاح الاقتصاد، يعمل في الصناعات القائمة عليها حوالي 40 مليون شخص، وكيف لا وقد تم استنفاد 90 بالمائة من التجمعات السمكية الضخمة، وتم تدمير 50 بالمائة من الشعب المرجانية في أعماقها. وللمياه يوم آخر، وكيف لا ونصف سكان الأرض معرضون إلى شح المياه لمدة شهر في السنة على الأقل، وقد بلغت معدلات الاستهلاك العالمي الحد الأقصى للقدرة على التحمّل.
أمام هذه الحقيقة الأخيرة، فإن يوماً للمطر بات يدغدغ مشاعري. لا أتحدث عن يوم عالمي، وإنما عن إعلان «يوم المطر» كيوم سنوي أردني بكامل الخصوصية والاهتمام، ليتدارس الخبراء سبل الحفاظ على المياه العذبة، وتنمية المصادر، والحفاظ على السدود واستدامتها، وتطوير قدراتها، وترشيد الاستهلاك، بما في ذلك اعتماد التقنيات الجديدة التي توفر الاستهلاك، سواء في الأغراض الزراعية، أو المنزلية، أو غيرها من الأغراض. ألا يستحق المطر يوماً لشكر رب السماءعلى كريم عطائه. ستحتفي بهذا اليوم الجليل الأرض مع البشر، كما تعبر عن فرحتها كل عام صبيحة «الشتوة الأولى». ننشد «أنشودة المطر». نعانق السماء وقد «تثاءب المساء. كأن أقواس السحاب تشرب الغيوم، وقطرة فقطرة تذوب في المطر، وتغرقان في ضباب من أسًى شفيف، كالبحر سرّح اليدين فوقه المساء. دفء الشتاء فيه، وارتعاشة الخريف. ويهطل المطر.. مطر، مطر، مطر. وأهمس في أذن حبيبتي: «ومقلتاك تطيفان بي مع المطر».
الدستور