تداول الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي معلومات شبه رسمية ومؤكدة مفادها ان الفساد في القطاع العام يشكل 10% من الفساد في القطاع الخاص، بمعنى آخر أن الفساد في القطاع الخاص يشكل عشرة أضعاف الفساد في القطاع العام، وليس أدل على ذلك من حجم قضايا الفساد المتورط بها القطاع الخاص والتي تجاوزت 1.5 مليار دينار ابطالها 5 اشخاص فقط !!!
هذا يقودنا الى بدايات الفساد في القطاع العام بعد ان كان مقتصرا على استحياء على القطاع الخاص، الا انه بدأ يكبر ويتدحرج مثل كرة الثلج وأصبح هو السمة السائدة في كلا القطاعين.
لا شك ان المال إذا لم يتم استغلاله بالشكل الصحيح يصبح عبارة عن مفسدة لكل ما يمكن ان يصل اليه، فما دخل المال الى شيء الا شانه.
لعل البدايات في القطاع العام، وان كانت على استحياء حصلت بعد قدوم موجات من العائدين من الخليج بعد الحرب التي مزقت أوصال الامة وتدفق معها الكثير من المواطنين واللاجئين، وجزء لا بأس من هؤلاء كان لديهم من الاموال الضخمة بشتى انواعها والتي تم استخدامها لتيسير دخولهم وامتعتهم الى البلاد من خلال تقديم الاموال للموظفين العموميين تحت بند الاكراميات لتيسير الإجراءات وتبسيطها، مع الاشارة الى ان معظم موظفي الدولة كانوا يرفضون ذلك باعتباره امراً دخيلا علينا ولا يشكل جزءً من ثقافتنا واعتباره عيباً يجلل صاحبه بالخزي والعار، على الرغم من ممارسته بشكل جلي وواضح في بعض الدول العربية، بل هو جزءً من ثقافة موظفي تلك الدول.
بدأت تلك الممارسات تكبر وتتوسع عندنا وتجد لها قبولاً عند البعض في ظل تردي الاوضاع الاقتصادية للمواطنين التي بدأت تتدهور شيئاً فشيئاً بسبب السياسات الحكومية المدمرة لبنية المجتمع وثقافته وخروج الدولة من معظم الأنشطة الاقتصادية بذريعة الشراكة بين القطاعين العام والخاص، مع ما صاحب ذلك من ارتفاع في الاسعار وانكماش في الدخل أدى الى زوال الطبقة المتوسطة بشكل شبه كامل.
كبرت كرة الفساد في العقدين الأخيرين جراء سياسات حكومية اتبعت منهج الخصخصة لكل المقدرات الوطنية، ما كان منها ناجح او غير ذلك، في الوقت الذي كان فيه القطاع الخاص يعاني من تخمة في المال ايضاً، منها ما هو مصدره شرعي وجزءً كبيراً كان نتيجة نهب ثروات بعض الدول مثل الكويت والعراق وسبقها الى ذلك لبنان ثم تبعتها سوريا والحبل ما زال على الجرار.
هنا سال لعاب القطاع الخاص للاستحواذ على الشركات والعطاءات الحكومية، ولأجل ذلك قدم القطاع الخاص الرشاوي الكبيرة وبمختلف انواعها لمسئولي الدولة الذين منحوا التسهيلات للقطاع الخاص في مقابل حصولهم على المال والمنافع الاخرى، ومن هنا بدأت ثقافة الرشوة تصبح سلوكاً اخلاقياً محموداً لدى علية القوم، واصبحت ايضاً تمارس على نطاق واسع بين موظفي الدولة بمختلف مستوياتهم لدرجة انها باتت ثقافة سائدة، ومن هنا ظهر لدينا مصطلح الفساد الصغير والفساد الكبير.
النتيجة النهائية كانت ضياع مقدرات البلد بأثمان بخسة، سوء في تنفيذ معظم المشاريع إن لم يكن سرقتها بالكامل، تغلغل الفساد المالي والاداري في كافة مفاصل الدولة لدرجة انه وصل الى مؤسسات لم يكن يخطر في ذهن المواطن انها يمكن ان تسلك هذا السلوك، ايضاً اصبح الفساد مقونناً من خلال اقرار عشرات القوانين المؤقتة لتمرير مصالح خاصة، والأهم من ذلك كله أن الفاسدين أصبحوا ذو حظوة ومكانة في المجتمع ويحظون برعاية حكومية من اعلى المستويات، وفي أحيان كثيرة يتبوأ الفاسدون مواقع متقدمة وحساسة في القطاع العام في مقابل ذلك فإن مصير كل من يشير ولو لمزاً الى بعض رموز الفساد هو الزج في السجون.
المحصلة النهائية باختصار، "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ" وسيطر الفاسدون على كافة مفاصل الدولة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وبات أثره واضحا على منظومة الامن والامان المزعوم، وأصبح الفاسد رمزاً للطهر والنقاء، وصاحب العفة والشرف متسولاً على أبواب الفاسدين.
عموما الحديث في هذا الموضوع شائك ويبدو انه ذو سجون، لذلك لا يمكن الاسترسال به خشية ما لا يحمد عقباه.