بادي عواد .. قصة جبل المكبر وقضايا اخرى
د.بكر خازر المجالي
20-11-2021 12:45 AM
رحمة الله على ابو امجد ، القائد بادي عواد الرديني الخضير
لا اتحدث عن ذكريات الكتب، بل اتحدث عن المرحوم ابو امجد من خلال لقاءاتي الشخصية معه، فقد كان دوري بتنسيق مقابلتين لمحطتي تلفزيون عالميتين في بيته في الشميساني، وكنت اقوم بدور المترجم، وكل الاسئلة تتناول سيرته ومواقفه مع التركيز على الفترة التي التحق بها مع "العمل الفدائي ؟؟" خلال أحداث ايلول 1970، واخبرني المرحوم ابو امجد انه كان قائد موقع البقعة، ثم كيف كان ترتيب الاتصال معه ودعوته لمقابلة المرحوم الملك الحسين في قصر الحمر، وكيف تمت ترتيبات وصوله الى الملك الحسين ومقابلته، وتناول ذلك الحديث الوطني الطيب، وكيف انه قال اننا "مجموعة من العسكريين الاردنيين من ابناء العشائر" كيف اننا التحقنا بالعمل الفدائي لقتال الصهاينة ومن اجل فلسطين العربية، وكنتيجة لهذا اللقاء ترك ابو امجد العمل مع هذه الفئات الخارجة عن القانون، وبعد استقرار الوضع عاد ابو امجد الى الخدمة وكان آمرا لمدرسة الملك طلال العسكرية "مدرسة المستجدين" ولا زلت اتذكر هيبته العسكرية بلباس الشماغ الاحمر وهو يحمل العصا لانني حينها كنت تلميذا عسكريا "مرشح ضابط في المدرسة".
وكان ابو أمجد هو قائد الحرس في مطار عمان حين كانت الطائرة جاهزة لتقل المغفور له الملك طلال عام 1952 بعد تعذر استمراره في العرش لحالته الصحية، ووصف بالتفصيل مراسيم الوداع، وقال لي حرفيا ما قاله الملك طلال حين توقف وهو يصعد سلم الطائرة واستدار ليتحدث لجمهور مودعيه ببضع كلمات .
وهنا اتذكر انني كنت اقدم برنامج لمدة ساعة ونصف في الاذاعة الاردنية هو سهرة كل يوم اربعاء من الساعة التاسعة والنصف الى الحادية عشرة، وكان في أحدها ضيفي المرحوم ابو امجد، وتحدث بمنتهى الشفافية عن قصته مع ما يسمى بالفدائيين حينها، وكيف ان ابو عمار كان يأخذه هو واثنان من شيوخ الاردن برتبة عالية معه لمقابلة قادة من العالم العربي وغيره ليقول لهم ان قبائل الاردن كلهم معه ويستشهد بهم، وكان بث الحلقة على الهواء مباشرة وهي مسجلة في اذاعتنا الاردنية اضافة لرواية وداع الملك طلال طيب الله ثراه.
وحدث في ذكرى حرب 67 انني ادرت حلقة تلفزيونية على الهواء مباشرة ضمت ابو امجد، ونبيه السحيمات رحمه الله وحمود ابو قاعود وكلاهما قادة سرايا في معركة الشيخ جراح وضابط صف محمد صبح الخوالدة وتحدثوا بمنتهى الصراحة والجرأة عن القتال في هذه الحرب، وبعد الحلقة مباشرة تحدث الي السكرتير العسكري لجلالة الملك وكان "العقيد جمعة الهروط" وطلب مني فورا ارسال اسماء وتلفونات وعناوين الذين كانوا في الحلقة، ومن ثم كانت لفتة كريمة من جلالة الملك عبدالله الثاني بتكريم وشكر هؤلاء الابطال.
ابو امجد كان شجاعا صريحا، اصطدم ذات مرة مع قائد برتبة رفيعة بعد حرب 67 حين طالبوه بقطعة بوصلة مفقودة، وارادوا محاكمة الجندي الذي فقدها اثناء الحرب، فكانت صرخته المدوية حول الموضوع، وتلفظ بكلمات قاسية،
ابو امجد خلال لقاءاته مع القنوات الاجنبية التي كنت شخصيا المترجم والشاهد عليها، كان يتحدث عن بطولة الجيش العربي الاردني وشجاعة جنوده، ويقول لهم الجندي المعادي جبان وقادته جبناء، حاربونا بالطائرات التي لم نكن نملك طائرة واحدة، ولو توفر لنا الغطاء الجوي الكافي لن نخسر الضفة الغربية ولا القدس، وسنهزم العدو وندمره، وكان يعلم ابو امجد ان هذه القنوات الاجنبية لا بد ان تكون على اتصال مع الصهاينة، او ان الحديث سيصلهم فكان يكيل التقريع للعدو بشكل ثقيل ومباشر.
وعن قصة جبل المكبر، قال لي "تقدمت كتيبتي واحتلت هذا الجبل الى الجنوب من القدس ويسيطر على الطرق من جهة الجنوب"، وكتيبته هي كتيبة اسامة بن زيد وهي احدى كتائب لواء حطين، ولم يتمكن العدو بكل قواه ومدرعاته ان يخترق موقعه، وكان باسناده كتيبة اخرى خلفه الى الشرق تحمى كل المقتربات التي توصل الى موقعه، ويقول لي "ابو امجد" رحمه الله، لكنني في خضم المعركة شاهدت الدبابات الاسرائيلية تأتيني من الخلف من الموقع الذي من المفترض انه ممسوك ومسيطر عليه من كتيبة اردنية، فاصبحت بين فكي كماشة وهنا كان يجب التخلص من هذا الحصار القاتل، واخترت طريقا خطرا بالتوجه نحو الوادي والسير باتجاه الشمال ثم الانحراف للشرق الى ان وصلت الى منطقة الخان الاحمر، وهو يترحم على كل الشهداء الذين ضحوا بارواحهم وهم يقاتلون معه، ثم ليكتشف فيما بعد ان العدو قد اخترق شبكة اللاسلكي واصدر امرا منه على انه قيادة اردنية وأمر الكتيبة الخلفية بالتحرك شرقا الى موقع قيادة لواء حطين، - وتم تنفيذ الامر - فتقدمت قوات مدرعة اسرائيلية من مكانها لتفاجئ كتيبة ابو امجد مع تقدم قوات اخرى من جهة الغرب. فكان القرار الفوري الصائب بانقاذ الجنود من موت محقق والالتحاق بقوات اخرى لمواصلة القتال.
كان ابو امجد رحمه الله يتحدث الي وهو يقطر اسى وحسرة بسبب عدم الاستعداد العربي وعدم ادراك خدع العدو ومعرفة اساليب قتاله، كان يتحدث بألم وهو يقول "كيف جيشنا يترك القدس؟" وبالطبع حين كان ابو امجد في جبل المكبر فقد كان في المكان الذي وصل اليه الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله وقد كبَر "فتسمى المكان جبل المكبر"، وقد وقفت شخصيا في ذات المكان اكثر من مرة ومرأى القبة الذهبية للصخرة والمسجد القبلي كصفحة من طهر وبهاء امام ناظريك، ونحن اليوم وبعد قرابة الف وخمسمائة سنة على رحلة الفتح تلك نشعر بانفعالات تهز اعماق المشاعر، وكذا كان ابو امجد يقاتل في مكان التاريخ المشرف المجيد هو و جنده وكل من قاتل في فلسطين الذين حين تتحدث اليهم عن القدس وفلسطين تسبق العبرات في عيونهم الكلام.
رحمة الله على ابو امجد، ترحل وحلمك في الاقصى والمعراج لم يتحقق بعد، ولكن ذكراك ومواقفك ومواقف الاحرار والمخلصين هي الامل الكبير الذي يبقي الامل مزروعا فينا، وفي كل يوم تقصر تلك الطريق التي توصلنا الى القبة والمسجد وكل المحاريب والتكايا والزوايا، ولن تغادر القدس ولا فلسطين افئدتنا، ولا زالت السيوف جاهزة وكل الجهود قائمة بدءا من الوصاية الهاشمية الى كل الجهود المؤسسية لخدمة القدس العربية وكل فلسطين،
الى رحمة الله ابو أمجد وانا لله وانا اليه لراجعون .