لا يعتبر التصوف عند الصوفيين مذهبا, انما هو احد مراتب الدين الثلاثة (الاسلام ,الايمان ,الاحسان), يهدف الى تنقية النفس من الرذائل وتحليتها بالفضائل.
وبعض الطرق الصوفية تستمد مبادئها من الكتاب والسنة والبعض الاخر يتناول مبادئ الغلو, لكن بهذا لم يرد نص يؤكد ذلك, وهذا العلم كان يسمى قديما بعلم التزكية والمقصود منه تزكية النفس البشرية, وعلم الاخلاق ويقصد به تعليم الفرد بناء علاقته مع الافراد, وعلم السلوك ويشمل مبادئ الادب والمعاملات والتحدث وطرق الخطابة, وعلم السالكين الى الله, وقد الفت كتب كثيرة لبيان اصوله وفروعه.
انتشرت هذه الحركة في القرن الثالث الهجري, وبدأت تظهر على مسرح الاحداث كنزاعات فردية ثم تطورت تلك النزاعات بعد ذلك حتى صارت طرق متنوعة, لكن لكثرة دخول المتعلمين والجهلة في طرق التصوف ادى الى وجود عدد من الممارسات الخاطئة التي يمكن اعتبارها دخيلة على تعاليم الاسلام.
وقد انتشرت الطرق الصوفية في شمال افريقيا بكثرة في الاونة الاخيرة خاصة في دول المغرب العربي: تونس, الجزائر, المغرب, وقد انتشر فيها طرق النقشبندية, الشاذلية, الرحمانية, القادرية, بينما في الجنوب عم في ارجائها الطرق التيجانية, والتي تعد أكبر الطرق الصوفية في افريقيا, لانها انتشرت بعد الفتح الاسلامي والمتعمق فيها يجد ان تعاليمها تتوافق مع الكتاب والسنة.
وقد اخذت الصوفية في الاونة الاخيرة تنتشر بشكل واضح هذا بجانب تدخلها بالامور السياسية خصوصا في نيجيريا, الكاميرون, السنغال, ودول الغرب العربي التي يوجد فيها دعم كبير من قبل السلطة السياسية, وهذا الحضور القوي للصوفية في بعض الدول الافريقية في السياسة يمثل احد ابرز الملامح السياسية لدول الشمال الافريقي.
ولابد من الاشارة الى ان السلطة السياسية تدعم بدورها هذه الطرق, بسبب ما تحرزه من دور مؤثر وحاسم في رسم الملامح السياسية, اذ ان هذه الطرق بشكل عام ادت ادوارا جيدة في دول الشمال الافريقي, وخاصة ان مبادئها تتضمن جانب روحي, اصلاحي, وعلمي, وهي تحاول ان تطلق عنان القبائل في تفعيل دورها ومشاركتها في صنع القرار, اذ انه دور حاسم في مجتمع انقسامي لا يعرف معنى سلطة مركزية او دولة.
في العهد العثماني
بدأت الصوفية تزداد في المنطقة المغربية بفعل التوسع الذي عرفه التصوف عبر اطره السياسية التي افرزتها طبيعة الالتحام الجماهيري حول مشايخ الزوايا الصوفية.
وقد كان معظم المرابطين الجزائريين قبيل العهد العثماني من اتباع الطرق الصوفية الشاذلية, وكان تأثير هذه الطريقة يأتي عن طريق طلب العلم في المغرب الاقصى وتونس او عن طريق الحج, وذلك ان مثقفي الجزائر كانوا كثيرا يقصدون طلب العلم خارج بلادهم التي تفتقر اليه, واثناء اقامتهم في فاس او تونس او القاهرة او الحرمين او دمشق او القدس او بغداد, كانوا يأخذون العهد عن شيوخ الطرق وهو امر كان شائعا عندئذ, وكان يعتبر جزء من ممارسة العلم, اذ ان المغرب الاقصى كان مركز عام لنمو الطرق الصوفية بعد سقوط الاندلس وتحول كثير من علماء الدين واصحاب التصوف الى هناك ففي المغرب ظهرت مدارس صوفية عديدة سنية وغير سنية, وكان بعض اصحابها يتدخلون في السياسة والحكم وبعضهم قد اتخذ الخلوة واعتزلوا الناس.
ومن جهة اخرى جاءت من تونس عدة طرق ولاسيما الشابية التي هزت شرق الجزائر بالحروب والدروشة الصوفية, كما كان المشرق الاسلامي مصدرا لتصدير المذاهب الصوفية النابعة من البلاد العربية او الواردة من فارس والهند واستانبول. والطريقة الوحيدة التي وجدت ارضية صلبة في الجزائر (القادرية) وهذه قد وصلت قبل النقشبندية او البكداشية, وقد جاء للجزائر خلال العهد العثماني علماء ودراويش من المشرق امثال: الملا علي, الذي اقام في قسنطينة والجزائر, والشيخ فتح الله, ومحمد تاج العارفين التونسي العثماني. وكانت المذاهب والافكار تنقل مع هؤلاء لاكثر الاماكن عزلة في الجزائر.
وكان يتم بين المرابطين مراسلات حول معطيات التصوف مثل وصية احمد بن ناصر الدرعي لمرابطي الجزائر (وصية لفقراء الجزائر),
والازهري مؤسس الطريقة الرحمانية التي بعث بها الى تلاميذه عندما كان في القاهرة.
وكان بعض العلماء يحصلون على مكانة بارزة في العلم والتصوف بعد تجوال وسياحة علمية ثم ينشرون ما حصلوا عليه من تعاليم وحتى البعض جاء يخطط للثورة والاصلاح امثال الشيخ يحيى الاوراسي.
وكان التأثير الطرقي غير مباشر في بعض الاحيان ,فبعد هجرة الجزائريين الى الشرق كانوا يتلقون مبادئ الطرق غير الموجودة في بلادهم مثل : النقشبندية, ثم تسربت للجزائر عن طريقهم ومنهم الثعالبي الذي تلقى العلم والتصوف على يد مشايخ متعددين في المغرب والمشرق وهو صحيح انه اخذ بعض التعاليم النقشبندية لكنه لم يتحول عن الطريقة الشاذلية التي لم تبعد عن الكتاب والسنة, وايضا من اتباع هذه الطريقة في العهد العثماني يوسف الملياني الذي جمع عدد اتباع من المضطهدين وسماهم (الفقراء/ المريدين) وقال ان الله اعطاه علم الظاهر والباطن وادعى انه نائب عن رسول الله وقد اثرت حركة الملياني على معاصريه سياسيا ودينيا, فقد هز الدولة الزيانية بالتجمعات التي كان يعقدها على راس الماء وفي تلمسان وفي وهران ونواحي البطحاء ,وهي المناطق التي كانت مستعدة للاضطرابات والثورة لتراخي قبضة الدولة عنها ,كما هز اتباعه عيان الدولة في المغرب الاقصى حتى اضطر امير فاس لمحاربتهم ومطاردتهم وقد تحالف الملياني مع العثمانيين وهذا من بين الاسباب التي اثارت الزيانيين عليه, اذ هذا بدوره يمثل انموذجا واضحا على تداخل السياسة والتصوف.
وطريقة محمد الخروبي ,الذي نسب الى طرابلس ,وكان صاحب حظوة عند العثمانيين وتربى في استانبول قبل مجيئه للجزائر وكان قد تشبع الروح الصوفية السائدة عندئذ في المشرق من شاذلية وبكداشية وغيرها وكان قد اخذ العلم من علماء مشارقة كالثعالبي والسنوسي, وقد خدم الخروبي الوجود العثماني في المغرب العربي وخصوصا في الجزائر بتعاليمه الدينية وطريقته الصوفية ,وكان قد خصص جهده لنشر تعاليم الشاذلية ,وقد نسب اليه بعضهم تفسيرا للقران قام به وهو في الجزائر ,وقوله عن (كفاية المريد) وكان يقول ان على كل سالك او متصوف ان يحصل علوم التصوف ,وكانت مبادئه تتجاوب مع روح العصر.
واخيرا دور محمد بن يوسف السنوسي الذي اثر على اجيال التصوف بدراسته للعقائد وتحبيبه علم التوحيد للدارسين ودفاعه عن اهل التصوف, وقد انتشر بناء على هذه الطرق العديد من المبالغات انذاك وبرزت لديهم الحاجة للبس المقنعات واستخدامهم للسبحة فقولهم السائد "السبحة واللوح الى خروج الروح"