الدعوة إلى الله تعالى رسالة وليست وظيفة مؤقتة
د. محمد العايدي
18-11-2021 11:15 AM
* الداعية كزيتونة لا شرقية ولا غربية
الدعوة إلى الله تعالى رسالة سامية وليست وظيفة او مهنة للتكسب، وهناك شروط وصفات يجب أن تتحقق فى الداعية الذى يتبوأ مقام الأنبياء والرسل فى الدعوة إلى الله تعالى، وأعباؤها ليست سهلة هينة، فهي طريق مليء بالتحديات والمعوقات ولكن مما يجعل الداعية يتحمل هو أنها من أجل هدف غالٍ وهو نشر رحمة الله في الارض كما قال تعالى:« ينشر لكم ربكم من رحمته»، ونشر الخير والفضيلة للعالم كله لقوله تعالى: «وافعلوا الخير لعلكم تفلحون» على العموم كما في الآية، وأسس الدعوة الإسلامية تكمن في قول الحق سبحانه وتعالى : «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن»، فلابد أن يكون الداعية واعيًا فاهمًا عالمًا، بأفضل الطرق المؤدية إلى غرضه، كما يلزم أن يكون على دراية بقواعد الدعوة، بالنسبة لكل نمط من أنماط المدعوين، وهذا هو العلاج الوحيد لصلاح العالم، والحياة الحقيقية للأمم لا تكون إلا بمقدار انتفاعهم بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن.
ومن هنا فرسالة الخير والفضيلة والرحمة والسلام والتعايش التي يحملها الداعية في قلبه للناس جميعا -عن علم صحيح وبمنهج وسطي- لا يوازيها شيء مطلقا قال تعالى :( ومن احسن قولا ممن دعا الى الله وعمل صالحا وقال انني من المسلمين ) وهذا هو شرف الداعية ان اعماله واقواله تنسب الى الله تعالى ابتغاء الاجرة والمثوبة ولا يقصد بذلك امرا دنيويا خاص يعود عليه.
ولكن مما يؤسف له أن مفاهيم الدعوة الى الله عند بعض ضعاف النفوس في هذا العصر تغيرت وانجر كثير منهم الى العمل على التكسب من الدعوة وتحقيق المكاسب الشخصية وهذا مقتل الدعوة والدعاة.
ونرى حاليا ونسمع عن دعاة ليس لهم علاقة بمنهج الدعوة لا من قريب أو بعيد بل يتقمصون دور الدعاة وهم في الحقيقة أبعد الناس عن أوصاف الداعية ويجيرون الدعوة لانفسهم فهؤلاء ستنالهم خيبة وذلة من الله تعالى.
فصار البعض ينشغل بغيره من الدعاة بدل نشر الرحمة للناس وبعضهم صار يستخدم الدين من أجل الدنيا وهذا من أقبح وجوه الانحراف عن مهمة الداعية وبعضهم صار ينشغل فيما لا دخل له فيه من أمور الحكم والسياسة بل ويسيس الدين لتحقيق مصالحة الشخصية وبعضهم صار ينظر إلى الدين على أنه منصب دنيوي يريد ان يحقق منه اكبر المرابح قبل ان تنتهي هذه الوظيفة وهكذا هم المتساقطون على طريق الدعوة تحقق قول الله فيهم: ( الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً).
وهناك فئة خطيرة من الدعاة وطلاب العلم، ممن رضوا بالوظيفة والمنصب المرموق -ظنًا منهم أنها في سبيل الدعوة- وبدلاً من أن يكونوا عوناً لغيرهم في تنشيط وتفعيل الجانب الدعوي، أصبحوا حجر عثرة وعائقا كبيرا أمام كل مشروع، خوفاً منهم وتحسبًا لمنافسة هؤلاء المساكين في تلك الوظائف.
ومن أخطر المظاهر والآفات، التي من شأنها تدمير الجهود الدعوية، وأدت إلى انتكاس الدعوة هو أن يكون المتصدر للدعوة والذي يوجه الدعاة جاهلا لا يعرف من الدين إلا اسمه ومن العلم الا رسمه لا يؤمن بالعمل الجماعي ويعتبر أن الناس كلهم اعداء له؛ ينظر إلى الدعوة على أنها مشروع فردي ذاتي شخصي، وهذا ادى إلى انعدام البركة وضعف الثمرة، فبدلاً من بذل الجهد والمال والوقت لخدمة الدعوة، حصل استخدام وبذل الدعوة من أجل المال والجاه والمنصب ومن أجل الثناء عليهم بما لم يفعلوا.
الوقفة المهمة التي أود استحضارها والتذكير بها والسؤال المُلِحّ، في ظل التحديات الكبيرة التي تواجه مجتمعاتنا من كل النواحي الفكرية والثقافية والاجتماعية والحفاظ على الهوية الوطنية الجامعة وايصال الرحمة التي جاء بها الاسلام الى الناس كلهم للانتفاع منها ، هل الدعوة إلى الله وظيفة مؤقتة يمكن التخلي عنها، واستبدالها بمهام أخرى بحسب الظروف والمستجدات؟!! وما هي أولويات الداعية وطالب العلم في ظل تزاحم المهام وكثرة التكليفات بمختلف الجوانب؟!
الداعية الناجح هو المخلص لله في دعوته، ولا يبتغي من حطام الدنيا شيئًا، إلا ما يعينه على هذا الطريق، والموفق من وفقه الله للجمع بين أشياء ثلاثة: (فهم الواجب، وفقه الواقع، وإنزال الواجب المطلوب على الواقع الموجود بحكمة وأولوية ومعرفة بالمقاصد).
ان الداعية الناجح هو الذي تكون دعوته مبنية على المنهج العلمى، وليس الحشد أو التجنيد، لما يدعو اليه، لان هذه الطريقة هى سبيل الأوصياء على الدين وليس وظيفة الدعاة، أما الأمور الجامعة فى المجتمع فهى للحاكم وليس للداعية، ويصدر بها قانون، لان الدولة تدار بالقوانين وليس بالفتاوى، قال تعالى”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِى الْأَمْرِ مِنْكُمْ ...”، وهنا يجب على الرعية السمع والطاعة لأنه أمر قائم على السياسة الشرعية، وما عدا ذلك يدخل فى حكم الفتاوى غير الإلزامية.
وهنا رسالتي إلى إمام المسجد الذي وفقه الله لهذه المكانة عليه أن يحذر أن يكون دوره وظيفي محض دون استثمار مكانه في الدعوة إلى الله وتعليم المسلمين دينهم ونشر المحبة والسلام والفضل وثقافة الحوار والتعايش بينهم اي يجب ان يكون عامل استقرار في المجتمع والدولة لا عامل فتنة وتأجيج للصراعات الداخلية والخارجية فهذه هي مفهوم الرحمة التي جاء بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم للعالمين، وكذا الخطيب فعليه مسؤولية كبرى لا تقتصر على أداء الخطبة فحسب بل يجب عليه ان يزرع في الناس التحاب والتراحم والتعاطف كالجسد الواحد.
فأقرب وصف للداعية وأقرب شبه له هي (الزيتونة) كما قال تعالى: ( زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء) فالداعية كزيتونة ظلالها وافرة يملؤها البركة والنفع للغير لا يدعو لشرقية ولا غربية بل يدعو للوحدة بين الناس وتأليف القلوب، عطاؤه مستمر في المكره والمنشط لا ينطفئ ابدا فإذا مست نار الفتنة المجتمع الذي هو فيه ازداد عطاء ونورا فصار نورا على نور، وهذه من هداية الله للداعية ان يكرس نفسه وجهده وماله في سبيل الله تعالى وفي جمع الكلمة ولم الصف لا في مناكفة الخلق وتعطيل مصالح الناس بهمجية صرفة واستخدام مكانته ومنصبه لصالحه ومصالحه فهذه الصفات لا تليق بموقعه كداعية محسوب ومنسوب الى الله كما قال تعالى:( ومن أحسن قولا مما دعا الى الله وقال إنني من المسلمين) بل هذا الوصف في الآية لمن كان عمله خالصا لوجه الله وبمنهجية علمية واضحة من غير تخبط واستغلال للدين لنفسه ولا من أجل إرضاء الخلق.