مات متعب بعد أن أصابه ألم شديد في بطنه ،عجز الأطباء وكل ممتهني الطب وحتى العطارين من تشخيص وجعه .
مات بعد أن أجهدته الحياة وقضى أياما وليال ، وهو يصيح من وجع في بطنه ، وتجرع علقم البؤس والتعب والشقاء بعد أن اجتمعت عليه الأيام والمرض فاستأثرت به فخارت قواه .
أخذت أم متعب تذرف الدموع على ولدها ، وقبلته على جبينه بعد أن قام أفراد العائلة بتغسيله وتكفينه ، وساد الحزن على فراقه من الجمع، وهم يصلون عليه ليدفن "متعب " مع أسراره ووجع معاناته وآلامه ، التي لم تضمد جراحها ، إلا بابتعاده عن هذه الدنيا .
كفكفت أم متعب دموعها ، وجهزت المنزل وهي تقبض حزنها من أجل الاستعداد لتلقي العزاء بولدها الوحيد ( الحيلة والستيرة ) ، لكن جاء قرار أهالي الحي برفض إقامة عزاء ل "متعب ".
عجزت الأم في إقناع أهل الحي ، وأخذت تصرخ وتصيح بأعلى صوتها من أجل أن يحظى ابنها بمكانة في مماته بين أهله وجيرانه ومحبيه ، فاقتربت منها شابه من المعارف ؛ وجلست القرفصاء بجانب الأم المكلومة على ابنها ، وأخذت تمسح دموعها وهي تسألها : هل كان متعب يعاني من مرض قبل أن يموت ؟
أجابت أم متعب وهي تكفكف دموعها : كان بطنه دائم الوجع ،وتسترسل... انه وجع المعدة الخاوية من الطعام .
صرخت الفتاة بأعلى صوتها : إذن مات مبطون ، وزاد صراخ الفتاة وهي تردد إنه مبطون إنه شهيد ، اسمعيني يا أم متعب ابنك أصابه وجع في بطنه ، ومن بمثل حالته يكون شهيدا ، والشهيد لا تقبل به التعازي بل التهاني .
وقفت أم متعب وهي تمسح بمحرمة قماش دموعها التي لم تتوقف ، وأخذت تزغرد وتصيح بأعلى صوتها ؛ "هنوني" بمتعب .. مات وبطنه خاو من الطعام ، مات في غياهب الجوع ، مات صابرا وهو يتحرق إلى الشبع
أخذت الأم وقد حملت جسدها بقوة وهي تقول : رحمة الله عليك يا ابني يا حبيبي .. نم قرير العين يا ولدي الغالي .. فلن تحس بوجع بطنك مرة أخرى ، لن يؤلمك وهو خاو ، ولا وهو ملآن - رغم أنه لم يصل في يوم من الأيام إلى مرحلة الامتلاء - ، لأنه مات في غياهب الجوع ، مات صابرا وهو يتحرق إلى الشبع.
مت يا ولدي وأنت جائع .. أفضل من أن تعيش حياتك وأنت جائع
"مت بجوع ..ولا تعش بجوع "
"هنوني ".. متعب مات "جوعان "
"متعب عاش جوعان.. ومات متعب جوعان"
عذرا نسيت أن أبلغكم بأن الجوع سيطال كل واحد منا ، وأن متعب ليس إلا واحد من بين الكثيرين الذين يمشون في ظلام هذه الأيام ، التي تقطع أجسادنا ، متعب يمثل جميع المواطنين الأردنيين الذين يعانون من الجوع بحياتهم وينتظرهم الموت جوعا.
Jaradat63@yahoo.com