لم أَكن في حياتي كُلِّها حزبيّاً، وكان الحزبيّون جميعاً أصدقائي.. (باستثناءاتٍ محدودة..) واسألوا الكثيرين منهم كيف كانت علاقتي بهم، وبخاصة الإسلاميّين، والقوميّين، واليساريّين الذين استضافتهم السُّجون -في مرحلةٍ عفا عليها الزّمن.. ودائماً كنت أجيبُ من يحاولُ منهم أن «يكسبني»: أنا من «حِزْب العَسْكر»، الذي كان، وما يزالُ أكبر حزبٍ في الوطن.. وهو الوحيدُ الذي ينضمُّ إليه الناسُ جميعاً في الأُردن -بشكلٍ خاص- ولم يتدخّلْ يوماً في ما كان يشغلُ الآخرين، بل إنّ شُغْلَهُ الشاغلَ منذ تأسيسه الدّفاعُ عن الوطن، والمواطنين، بكلّ أَطيافهم، وتوجّهاتهم، وآرائهم، وأيديولوجياتهم..
كان «الإسلاميّون» يطلبون مني أنْ أصلّي فيهم إماماً -حين يحين موعد الصلاة، والقوميّون يستضيفونني في الأُمسياتِ الشّعريّة التي تقامُ انتصاراً لأيّ قضيّة قوميّة، واليساريّون كذلك.. وكان الجميعُ يستغربون كيفّ أناقشهم في أدقِّ تفاصيلِ أفكارهم، وحجم إطلاعي العميق على كُتُبهم، ومنشوراتِهم، وكنتُ أقول دائماً عن «العَسْكر»، وأعني عسكرنا نحن في الأُردن، إنّهم الأكثر وعياً، وثقافةً، واطلاعاً..
في كلِّ مجالات الحياة.. ففي جيشنا العربي أطبّاءُ تَفوّقوا على نظرائهم -على المستوى العالمي، ومهندسون لا يُشَقُّ لهم غبار، وكتّاب، وأدباء، وشعراء.. بالإضافة إلى تميّزهم في «عسكريّتِهم»: تسليحاً، وتدريباً، وقدرة خارقة على المُواجهة والقتال، حتّى حدود الاستشهاد..
وأظنُّ أنّ من حقّي -وأنا فردٌ في ذلك الحزبِ العريق- أن أَتباهى بإنجازاتهم -حتّى في مجال التربية والتعليم، فالكثير من المتعلّمين في الوطن تخرّجوا من المدارس التي أنشأها «الجيشُ العربيّ»، في طولِ البلاد وعرضِها.. وأصبحوا مسؤولين كباراً، نشهد لهم جميعاً بالإدارة الحكيمة، والرأي السّديد، والقدرة على التّنفيذ، التي لا يملكُ مثلَها غيرُهم، مع الاحترام، والتقدير، لكل من تَصدّى للمسؤولية الرفيعة..التي ينوءُ بحمل أمانتها الرّجالُ..
قلتُ في بدايةِ الكلام: إنني لم أكن حزبيّاً.. وكان الحزبيّون جميعاً، أو الكثيرون منهم أصدقائي.. ولكنّني أؤكّد من جديد على أنّ حِزْبي الذي انضممتُ إليه، منذ البداية، هو «الجيش»، على الرّغم من أَنّني لستُ عسكريّاً.. ولكنْ إذا لم أكن أجيدُ القتالَ بالسّيف، فأنا أجيدُه بالكلمة.. والكلمة -في كلِّ مراحل التاريخ- أقطع من السَّيف.. وهي أَكثُر حَسْماً، وبخاصةٍ في المَعاركِ التي تحتاج إلى الحَسْم!!
أنا مع «حياةٍ حزبيّة» عاقلة، ووازنة، ومُحترمة، ومن الضّروريّ أن تكون لدينا مثل تلك الحياة.. شريطةَ أن يكون الولاء فيها للوطن، وللوطن وحده، لا أن تكون مستوردَةً، وقادمةً من خارج الحدود، ولا مموّلةً من أيّ جهةٍ كانت في العالم..
ومع ذلك، وقبل ذلكَ، وبعدَه.. سيظلُّ حزبي أَنا هو «حزبُ العَسكر».. في الوقت الذي سأظلُّ فيه صديقاً لمن أَرى أنّه يَستحق الصّداقة.. وعدوّاً شديدَ القَسوة على من يُحاوِلُ أن يكون غريباً عنّي -كمواطن- وغريباً عن هذا الحِمى، الذي هُو في حاجةٍ إلينا جميعاً!!.
(الدستور)