لقد أصبح واضحا للعيان بأن قلق رئيس الأتحاد الروسي فلاديمير بوتين , ووزارة الدفاع الروسية بقيادة الجنرال سيرجي شايغو, و عموم روسيا بخصوص الحراك العسكري الأمريكي و حلف ( الناتو) المتكرر في المياه الإقليمية الروسية و الحدود البرية تكرر أيضا . و هدف أمريكا و معها ) الناتو( كما يبدو لي كمراقب سياسي من وسط الشرق العربي هو إستعراض للقوة , و لأثبات بأن أمريكا و حلفها موجودان , و بأن لهما أحقية التجوال في المناطق الحساسة و المحظورة وفقا للقانون الدولي و الشرعية الدولية . و تماما مثلما هي أمريكا ومعها أوروبا و جناحيهما السياسي و العسكري متلاصقان و يقودان القطب الواحد , يهدفان ذات الوقت للسيطرة على أركان العالم , و لا يرضيهما النهوض السياسي الملتزم بالقانون الدولي و العسكري الروسي فوق النووي و فوق الصوتي و التكنولوجي الفضائي . و يرغبان أي أمريكا و ) الناتو( في الأستفراد و الأستقواء على العالم و على روسيا أيضا , ألتي تعاملهما من زاوية الند للند . و كما أن أمريكا و أوروبا يشعران بالتفوق الأقتصادي , ظهرت قوتان عالميتان مثل روسيا و الصين أشعرتهما بالتفوق المقابل , و حجم التبادل التجاري الصيني الأمريكي ) 586,72 مليار دولار( خير شاهد , و إنخفاض حجم التبادل التجاري الروسي الأمريكي و الذي هو بحجم (63,5 مليار دولار ) الان له أسبابه في المقابل . و مشروغ الغاز الروسي 2 صوب ألمانيا و أوروبا حديثا هذا العام 2021 , أعطى معنا جديدا لم يدخل في حسابات الغرب الأمريكي , و بدأت تظهر عليه حسابات جيوسياسية تحت علامة إستفهام كبيرة من طرفهم , ومن جانب أوكرانيا أيضا .
فلماذا تحديدا هي أمريكا و حلفها ( الناتو) يصران معا على إستهداف الحدود الروسية البرية و المائية كذلك بالقرب من إقليم (القرم) المسلح نوويا من طرف روسيا و مزود ببارجة نووية روسية عملاقة على شواطيء (سيفاستوبل ) , بشبكة صواريخ باليستية نووية وببوارج نووية أمريكية و للناتو أيضا في المقابل ؟ وهل إستصعبت أمريكا على نفسها إشتراكها إلى جانب روسيا السوفيتية و عموم السوفييت في الحرب العالمية الثانية 1939 1945 , و إنتصارهما معا على العسكرتاريا الهتلرية ؟ وهل حراكهما العسكري هذا مجرد حرب أعصاب , و الطرفان الغربي و الروسي الشرقي يعرفان بأن مجرد التفكير بحرب عالمية ثالثة خطيئة تاريخية جديدة لا تغفر , و بأن نتيجة مثل هكذا حرب ستكون خاسرة و مدمرة لا محالة للطرفين فوق النوويين المتحاربين ؟ و تعطي إشارات من شأنها إنهاء البشرية و حضاراتها , و إعادتها إلى ما قبل التاريخ , و إلى عصر الحجارة و الكهوف و الرماد ؟ دعونا نناقش ذلك ؟
لقد خرجت أمريكا طوعا ومن جانب واحد عام 2019 من معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى التي وقعت عام 1987 في عهد ريجان – غورباتشوف و التي هدفت وقتها لمنع حدوث حرب عالمية مفاجئة . و خرجت أمريكا من الأتفاقية النووية الأيرانية الموقعة عام 2015 بعد التشاور مع إسرائيل , و عادت اليها حديثا عام 2021 بعد خسرانها الحضور وسطها الى جانب روسيا و دول العالم , و هي التي أطلق عليها إسم ( 5+1) بهدف تقليص البرنامج النووي الأيراني مقابل رفع العقوبات عن إيران . وزجت أمريكا ذاتها بالأزمة الأوكرانية المتصاعدة منذ عام 2014 بعد الأنقلاب على فيكتور يونوكوفيج الموالي لروسيا , و تعاونت مع حقبتي بيترو باراشينكا و فلاديمير زيلينسكي المنقلبان على السياسة الروسية 24 درجة , و بمساندة من التيار البنديري المتطرف الذي لا يعترف بحقائق التاريخ المشترك الأوكراني - الروسي في زمن المجاعة السوفيتية الواحدة ( G0L0DOM0R) و الحقبة السوفيتية 19241991 , خاصة في فترة الحرب العالمية الثانية ( العظمى ) , و نشرت أمريكا قواعدها في غرب أوكرانيا مخالفة الدستور الأوكراني نفسه .
وفي هذا العام 2021 إجتازت المدمرة االأمريكية (chafee) بتاريخ 15 أكتوبر منطقة المياه اليابانية المحاذية للحدود المائية الروسية , و بتاريخ 26 حزيران 2021 إخترقت المدمرة البريطانية Defender منطقة مياه ( القرم) الروسي . و بالمناسبة أمريكا لاتعترف بأحقية روسيا على جزر الكوريل التي سيطرت عليهن في الزمن السوفيتي نهاية الحرب العالمية الثانية , و لا تعترف أيضا بإقليم ( القرم ) تابعا لروسيا , و هو الذي يحتضن في كنفه الأسطول النووي الروسي وسط بحره الأسود . و حديثا قبل أيام تدخل المدمرة الأمريكية ( تروكسون ) مجال البحر الأسود و تقترب من القاعدة الروسية الثابتة , و ترافقها طائرات حربية روسية هناك ثم تغادر بعد مطاردتها بطائرات هوليوكابتر روسية – عجبي ! . و المثير للأنتباه هنا هو أن أمريكا و روسيا تحديدا لم يبتعدا زمنيا عن مؤتمر جنيف 2021 الذي شكل كتابا أبيضا و مرحلة جديدة من شأنها اسدال الستار عن الحرب الباردة بكامل تاريخها و ما رافقها من سباق تسلح ملياري دولاري و ضع عموم البشرية في مربع التخلف التنموي . و السؤال العريض الذي يطرح نفسه هنا هو إلى أين هو ذاهب العالم اليوم ؟ و أين نحن من أمن العالم , الهدف و الغاية و الطموح؟ ولماذا لا تلتزم كبريات دول العالم مثل الولايات المتحدة الأمريكية بالقانون الدولي و الحدود البرية و المائية الدولية ؟
دعونا نتأمل ؟!