لو قدمنا المهج والارواح لقدامى المحاربين من العسكريين المتقاعدين الذين ضحوا بزهرة شبابهم خدمة للوطن وذودا عن حياضه ، لما عبر ذلك عن جزء يسير من الامتنان الذي نحس به تجاه هذه الشريحة الطيبة المعطاءة من ابناء الوطن.
وقد سررت يوم امس وأحسست بالفخر وأنا استمع برفقة بعض زملائي الصحفيين في مقر المؤسسة الاقتصادية والاجتماعية للمتقاعدين العسكريين والمحاربين القدماء الى الايجاز الذي قدمه مدير عام المؤسسة اللواء الركن المتقاعد احمد العميان ، اذ بدا واضحا أننا أمام قصة نجاح حقيقية ، فرغم الطبيعة العسكرية لهذه المؤسسة الا انها تدار بعقلية القطاع الخاص وتركز على الانتاجية وحققت حتى الان أرباحا بلغت ثلاثة ملايين ونصف المليون دينار.
وابرز ما يميز هذه المؤسسة أنها تؤمن بالاعتماد على الذات وتدوير الربح لخلق مشاريع جديدة وهي لا تستجدي أحدا بل أكاد اقول انها وصلت مرحلة تدعم فيها موازنة الدولة وليس العكس من خلال سداد الضرائب ، فقد دفعت العام الماضي ما يقرب من 700,000 دينار كضريبة مبيعات للخزينة.
وقد تبين أن هذه المؤسسة التي ينضوي تحت لوائها 40,000 متقاعد عسكري تدير مشاريع انتاجية عديدة مثل مزارع الابقار والمناحل ومزارع الدجاج ، وهي تزود القوات المسلحة بعشرين مليون بيضة سنويا ، كما أنها تقوم بتمويل مشاريع تخدم المتقاعدين مثل شراء السيارات بالتقسيط والحصول على القروض الصغيرة والمتوسطة وتوظيف المتقاعدين في مجال الامن والحماية ، وبسبب الكفاءة العالية لهؤلاء النشامى المتقاعدين الذين تدربهم المؤسسة فان هناك حاجة ماسة لعناصر جديدة لملء الشواغر العديدة المطلوبة.
ومن الواضح أن هذه المؤسسة تلقى رعاية مباشرة من جلالة الملك عبدالله الثاني وهي تعمل بنجاح لانها تنطلق من رؤيته وتنفذ توجيهاته ، فقد وجه جلالته المؤسسة للاهتمام بتدريب المتقاعدين العسكريين في مجالات الحاسوب وتكنولوجيا المعلومات وقد تم تدريب ما يزيد عن 9000 محارب قديم في تخصص تكنولوجيا المعلومات التحق غالبيتهم بسوق العمل.
ومن أجمل مشاريع هذه المؤسسة ما يسمى بمشروع احياء التراث ، وهي فكرة ذكية تقوم على جعل صفحات التاريخ في جرش والبتراء والكرك وعجلون وأم قيس وغيرها تنطق بالحياة من خلال تمثيل روائي للاحداث التاريخية يقوم به متقاعدون عسكريون تعلموا الرومانية وغيرها من اللغات القديمة.. فتراهم بالملابس التاريخية يجوبون شارع الاعمدة في جرش لاحياء صفحات التاريخ التي يقرأها السائح تنبض بالحياة ، فتقرّب لهم بذلك المفاهيم وتضيء جوانب مختلفة من جوانب الحياة قبل مئات السنين.
ان قصة النجاح التي نسجتها هذه المؤسسة بالعرق والكد والمثابرة تستحق أن تكون نموذجا لمؤسساتنا الاخرى المدنية والعسكرية ، خصوصا تلك العاملة في الحقل الاجتماعي ، فقد قررت هذه المؤسسة ان تكون جزءا من الحل لا جزءا من المشكلة ، وبدلا من الشكوى والتبرم وندب الحظ ، بادرت المؤسسة الى اعتماد اسلوب العمل بعقلية القطاع الخاص وتحويل الارباح الى مشاريع انتاجية تعود بالخير على المتقاعدين العسكريين وعائلاتهم.
نشد على ايدي القائمين على هذه المؤسسة ونتمنى لهم المزيد من النجاح.