يصبح عبدالكريم الدغمي رئيسا لمجلس النواب، وتتعدد التفسيرات حول وصوله، من ذلك الذي يقول انها رسالة الى سورية، وصولا الى الذي يقول ان الدغمي رسالة ضد التطبيع مع اسرائيل.
للرجل مواقفه الحادة، فهو من جهة ضد الحرب في سورية، ويعتبر ان كل ما يجري فيها مؤامرة ضد معسكر المقاومة، وموقفه هذا معلن، ومعروف، وايضا له تصريحات شهيرة ضد التطبيع مع اسرائيل، الى درجة كلامه عن وجود التيار الاسرائيلي في الأردن، وتأثيره على القرار، والرجل ايضا يعد قومياً وطنياً، وليس لديه اجندات صغيرة، جهوية، او اقليمية، او من هذه المشتقات المنبوذة.
علينا ان نتحدث بصراحة هنا، فوجود الدغمي في الرئاسة لم يأت لكونه مجرد رسالة تلطيف مع السوريين، لأن العلاقات مع دمشق، تحسنت قبل هذه المرحلة بكثير، وليست بحاجة الى رسالة تلطيف عبر دعم مرشح مثل الدغمي، مع اننا في عقود ماضية شهدنا تكليف رؤساء حكومات على صلة بدمشق في فترات، او بغداد في فترات، من اجل تعزيز العلاقات مع أحد البلدين، وفقا للظروف، لكننا في قصة الدغمي، سنتورط في مطابقة خاطئة هذه المرة، فالرجل لم يكن رسالة عبر البريد، ولن يكون رسالة، بالمعنى الذي يظنه البعض، وان كان هذا هو اتجاهه السياسي.
الفروقات بين المتنافسين على الرئاسة، اي النائب عبد الكريم الدغمي، والنائب نصار القيسي، كانت قليلة جدا، وهي تثبت عدم وجود تدخل، او ان التدخل فشل، وكانت المعركة ساخنة حقا، خصوصا، مع المعلومات غير الموثقة التي كانت تتحدث مبكرا، عن وجود انزال مظلي لصالح الدغمي، وهذا يفتح باب التساؤلات حول هذا الانزال، وجدواه اذا كانت الفروقات قليلة بين الدغمي والقيسي، مما يعني نهاية المطاف، ان الدغمي وصل بجدارته، وتأثيره بين النواب، قبل اي تدخل مباشر، او غير مباشر داخل البرلمان، فوق ان فكرة الانزال المظلي بحد ذاتها معيبة.
على الارجح ان وجود الدغمي في موقعه وهو الرجل الذي كانت بعض مراكز القرار تتجنبه، لانه غير قابل للسيطرة، او التحكم عن بعد، له اسباب متعددة، من ابرزها التعديلات الدستورية، والتعديلات على قوانين الانتخابات والاحزاب، وغير ذلك، ووجود شخص مخضرم سياسيا وقانونيا، سيكفل للدولة، ومؤسسات مختلفة، بما فيها الحكومة، وحتى لجنة تحديث المنظومة السياسية، التي انتهت مهمتها، وجود من يدير العملية القانونية بشكل محترف، عبر رئاسته لمجلس النواب، وهي مرحلة صعبة، بحاجة الى رجل محترف ، من حيث قدرته على ازالة الالغام، والوقوف في وجه محاولات اثارة الفوضى، او تخريب النقاشات، او شراء الوقت، وغير ذلك من سمات قيادية متوفرة في الدغمي، وكانت تزعج البعض، لكن اهميتها باتت مضاعفة اليوم.
لا نريد ترقية الدغمي، بشكل مبالغ فيه، فكل شخصية فيها ايجابيات وسلبيات، لكن وصوله الى رئاسة النواب، يفتح الباب حول الملف الاهم، اي لماذا لا تتخلى عمان العليا، عن مبدأ الاعتماد على الضعاف من المسؤولين، ولماذا لا تعود الى زمن الاقوياء، حتى لو عاندوا الدولة في بعض الملفات، ونحن لا نتحدث عن قصة الهيبة وحسب، بل عن القدرات الذاتية والسياسية والشخصية والمهنية للمسؤول، وهذا الامر ينطبق حتى على عمليات توليد النواب والاعيان والنقباء، وغيرهم وبحيث بات مهما اليوم، ألا تواصل الدولة التصرف بشكل مذعور، وكل مسؤول ضعيف يأتي بأضعف منه حتى يحكم عبره، مما ادى الى الثغرات السلبية التي نراها اليوم، فيما وجود الدغمي، يعيد اهمية قاعدة اللجوء للأقوياء، حتى لو تسببوا بالصداع.
حين كنا نسأل مسؤولين سابقا حول سبب وقوفهم ضد الدغمي، وحتى اسماء ثانية من اتجاهات ثانية، مثل صالح العرموطي، او عبد الله العكايلة، وغيرهم، كان المسؤولون يتفنون بالكلام عن كلفة هؤلاء، ومخاطرهم، وصعوبة ادارة العلاقة معهم، وكنا نعرف ان كل هذا الكلام، هراء، وتعبير عن مرحلة يلد فيها الضعيف، من هو اضعف منه، حتى يمتطيه بسهولة ودون مقاومة.
هذه فرصة عظيمة امام النواب، من اجل استرداد موقعهم، عبر هكذا رئاسة عليها مهمات كبيرة، ونحن هنا لا نريد صراخا ولا معارضة سينمائية، وكل ما نريده ان يكون النائب نائبا، وفقا لتعريفه الدستوري، وان تحتمل المؤسسة الرسمية، التنوع والضجيج والايجابي، وقول كلمة….لا.
(الغد)