مشروع قانون التنفيذ المعطل للتنفيذ
د. محمود عبابنة
15-11-2021 02:09 PM
بالرغم من أن موضوع حبس المدين قد مر بمخاضٍ تقييمي وقانوني شارك به من جهة المتحمسين لإعلاء مبادئ حقوق الإنسان ومن جهة أخرى المتحمسين لتحقيق العدالة المدنية وتعظيم قدسية اللجوء الى القضاء المرجع الوحيد والاخير لإحقاق العدل واعادة الحقوق في المنازعات المدنية، ونعيد ما تكرس في الفقه القضائي "أن الدعوى تُربح مرتين، مرةً أمام محاكم الموضوع ومرةً أمام قضاء التنفيذ".
وبمعنى آخر أن المطالبة المدنية وبعد مرورها في ماراثون التقاضي مروراً بدرجات المحاكم الثلاث، والتي قد يستغرق المرور بها والحصول على حكمٍ بالحق سنوات، فإن الحق يتجلى ويتم الافصاح عنه بقرار حكمٍ قطعيّ، ولكن العدالة لا تتحقق ولا يعود الحق إلى صاحبه إلا بتنفيذ هذا الحكم، ويكون تنفيذه إما بالحجز على أموال المحكوم عليه أو حبسه ضمن نطاق المدة المسموح بها في القانون.
وقد حاولت مدرسة حقوق الإنسان وناشطيها والمتمسكين بعدم إلغاء الحبس، الوصول إلى حل منتصف الطريق بحيث لا يُعمل بالحبس لمن تجاوز عمره 60 عاماً وكذلك تقليل مدة الحبس، وعدم تطبيقه على من يعاني من مرض العضال أو كان المدين المعيل الوحيد لعائلته وتبنى ذلك عدد من اعضاء مجلس النواب السابق، ونجحت جهودهم في العمل على مشروع قانون جديد للتنفيذ وهو محور النقاش في هذه الايام، وأهم ما جاء فيه أنه لا يجوز حبس المدين الذي لم تتجاوز مديونيته الــــــــ 5000 دينار وكذلك عدم حبسه عن الدين الناتج عن التزاماته التعاقدية، ورغم أن القانون الجديد توسع في تعداد حالات استثناء حبس المدين التي كنا نتحدث عنها، إلا أن الطامة الكبرى هي بمثابة تشريع للمدين ألاّ يلتزم بأي دين يقل عن 5000 دينار، ناهيك أن الالتزامات التعاقدية تحصل في كل يوم فالبيع والشراء ينتج عنه التزام تعاقدي وعقد الايجار ينتج عنه التزام تعاقدي وعقد البناء هو التزام تعاقدي.
مسألة قياس أمد اجراءات التقاضي لا تُعني فقط اجراءات التقاضي أمام قاضي محكمة الموضوع، بل تشمل اجراءات التنفيذ أمام قاضي التنفيذ، فما الفائدة من السير باجراءات الدعوى لسنوات ثم الاحتفاظ بالحكم القطعي في الأدراج لعل وعسى أن يرأف قلب المدين الذي هرّب جميع أمواله قبل وصول الحكم الى محكمة التمييز أو الاستئناف؟! وما قيمة الحكم القطعي اذا لم نجد ما يمكن الحجز عليه؟!! أما القول بأن حبس المدين لا يُعمل به في الدول الراقية فهذا قول مبتور ولا يعكس حقيقة التزام المدينين في سداد الديون واحترام قرارات المحاكم لوجود الضمانات الكافية ولوجود سلسلة من الاجراءات تقع على عاتق المدين وهي أشد من الحبس اذا لم يقم بالوفاء بديّنه.
هناك الكثير لنقوم به والتخلص من سلبيات حبس المدين ولكن لا يمكن ان نقبل بإلغاء هذا المبدأ وأن كان بغيضاً إلا أنه يبقى مشروعا ومحقاً وبعكس ذلك فإننا سنساعد على خلق مهنة خطيرة وجديدة تتمثل بمقاولين من الدرجة الأولى والثانية لتحصيل الديون وهؤلاء المقاولين سيكونوا مدججين بالسلاح والهراوات لتهديد وملاحقة المدينين المعسرين مقابل نسب مئوية من المبالغ المحصلة لا تزيد كثيراً عما كان يدفعه الدائن كرسوم للمحاكم ودوائر التنفيذ.